غلاف النسخة الأولى
غلاف النسخة الإلكترونية الثانية
رابط كتاب :قطرات في جوجل درايف
كتاب :قطرات
منوعات المقالات
تأليف
ماجد بن عبد الله الطريّف
بسم الله الرحمن الرحيمالمقدمة الحمد لله رب العالمين،والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين،وعلى آله وصحبه أجمعين ،ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدينأما بعد:فهذه قطرات وهي منوعات المقالات ، في شتى المجالات، كتبتفي أوقات متفرقات، جمعتها في هذا الإصدار لعل من يقرأها ينتفع بها،وأسأل الله أن يبارك فيها و يكتب أجرها والحمد لله رب العالمين
الإخلاصالحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين...
أما بعد :
فإن الإخلاص لب الإسلام وعماده ، فقد بعث الله رسوله لإخلاص الله بالعبادة وصرفها له وحده لا شريك له وهذا أجل الإخلاص وأعظمه و به جاءت الرسالات وبعث الرسل قال تعالى : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } ويقول تعالى : { قل الله أعبد مخلصاً له ديني } ولهذا فإن من عمل عملاً لم يخلص فيه لله ذهب جهده هدراً وعمله هباء يقول تعالى : { والذين كفروا أعمالهم كرمادٍ اشتد به الريح في يوم عاصف } وقال تعالى : { وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا} فالله خلق ورزق فهل يعقل أن يعبد غيره ؟
والله غنى عن عبادة خلقه فكيف بعبادة يشرك فيها معه غيره قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال : " من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه " ( أخرجه مسلم ) وحذر رسول الله من الرياء وسماه الشرك الأصغر وهو داء إذا خامر القلب ذهب به وهو بالغ الخفاء ورياء كل امرئ بحسبه والشيطان واسع الحيلة وقد يلبس على المرء دينه حتى يخفى الرياء ويشتد خفاؤه حتى أن المرء قد لا يطلع الناس على عمله،ولكنه يحب أن يرى له الناس فضله ويجلوه ويوقروه لدينه،فإن قصر في ذلك مقصر ساءه وثقل عليه ، كأنه يريد أن يتقاضى أجر طاعته التي أخفاها. روي عن وهب بن منبه أن رجلاً من العباد قال لأصحابه : إنا قد فارقنا الأموال والأولد مخافة الطغيان وإنا نخاف أن يكون قد دخل علينا في أمرنا هذا من الطغيان أكثر مما دخل على أهل الأموال في أموالهم إن أحدنا إذا لقي أحدا أحب أن يعظم لمكان دينه ، وإن كان له حاجة أحب أن تقضى لمكان دينه،وإن اشترى شيئا أحب أن يرخص له لمكان دينه .
فبلغ كلام هذا العابد إلى ملك تلك البلاد ، فركب في موكبه فإذا السهل والجبل قد امتلأ من الناس.فقال العابد:ما هذا؟ قيل: هذا الملك قد بلغه حالك وكلامك وقد جاء ليراك ويسمع منك .فقال لصاحبه: ائتني بطعام .فأتاه به ، فجعل يحشوه في فمه ويأكل أكلاً عنيفاً ،والملك ينظر ، فقال الملك : أين صاحبكم؟ فقالوا : هذا . فنظر إليه الملك وهو يأكل أكلا كثيرا عنيفا فلم يعجبه. ثم قال الملك للعابد: كيف أنت؟ قال العابد : كالناس. فقال الملك : ما عند هذا خير . وانصرف عنه فقال : الحمد لله الذي صرفه عني وهو لي لائم ...
وقد أثنى الله ورسوله على التقي الخفي لأنه أبعد عن الاغترار بالدنيا والتأثر بها والجري خلف الرياء الذي يجلبه حب المرء للمدح من الناس وهذا طبيعي في الإنسان
قال الشاعر: حب الثناء طبيعة الإنسان.
ولكن المحذور أن يصبح حب الثناء سبباً في الرياء.
ومما يجلب الرياء حب المرء للجاه والصدارة وهذا أمر مستحكم في القلب يقولون : "إن آخر شيء يخرج من القلب حب الرياسة" ويقول العلماء : إن المرء قد يزهد في الطعام والشراب و المنكح والمال في سبيل الجاه .
وقد كان السلف ينفرون من الشهرة ويزهدون بالرياسة وأخبارهم في ذلك كثيرة مثيرة كما أن الأحاديث الحاثة عليه عديدة منها قوله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي " (حديث صحيح أخرجه البيهقي ).
اللهم ارزقنا الإخلاص في القول والعمل، وأصلح نياتنا، و تقبل منا إنك أنت السميع العليم
والحمد لله رب العالمين
الثقافة
الثقافة هي كلمة العصر ، وهاجس أهله ، وهي ثراء العقول وتهذيب الأنفس وهي واسعة كالأفق الرحيب ، زاخرة كالمحيط العميق ، يعرفونها فيقولون : هي الإلمام بالعلوم والفنون والآداب . أو يقولون : هي الألمام من كل علم بطرف .
وإن هذا التوسع في الثقافة وتنوع العلوم ليس مما أوجده هذا العصر بوسائل اتصاله الحديثة ، وتسهيلاته الكبيرة بل هو شائع منذ القديم ، وقد ضرب أسلافنا من علماء المسلمين أروع الأمثلة في ذلك .... أفليس عجيباً حين تقرأ في سيرة أحدهم فتراه قاضي القضاة وهو مع ذلك رأس في النحو واللغة ، رأس في علم التاريخ والأيام ، رأس في الطب ، رأس في الفلك ، رأس في الفلسفة ... وهو مع ذلك أديب بارع وشاعر موهوب حتى يحق لواصفه أن يقول:" هو البحر من أيّ الجهات أتيته ".
وإنا لا نقول أنه ينبغي أن يحيط المرء بكل العلوم فذلك ما يعجز البشر عنه ، وما تفنى الأعمار دونه لاسيما مع تطور العلوم حتى ظهرت التخصصات الدقيقة داخل التخصصات .
ولكن ينبغي أن يعلم المرء من كل علم أحسنه ، ليغزر علمه ويتسع أفقه ، وإذا كان عصر التبحر قد مضى ، وعصر التخصص قد أتى ، فإنه قد أتى أيضاً عصر الثقافة ، فينبغي للمرء أن يغوص في تخصصه ، وأن يبحر على عجل في التخصصات الأخرى ، وهذه الثقافة باتساعها وشمولها تقدمها المدارس والجامعات و وسائل الإعلام وغيرها من وسائل ( التثقيف الجماعي ).ولكن ذلك لا يكفي ، فلا بد من ( التثقيف الذاتي ) فيبحث المرء لنفسه ويعلم نفسه وكما قال الشاعر : ورب غلام علم المجد نفسه .
وإنه مما يثير الأسى أن ترى بعض الناس لا يملك مكتبة شخصية أو يملك مكتبة كبيرة ولكنها محدودة محصورة حتى الثقافة العامة في تخصصه لا تحتويها مكتبته وذلك شاهد ضيق العقل والأفق فإن ضيق ثقافة الإنسان ينبيء عن ضيق عقله . وليس مطلوباً من الفرد أن تحوي مكتبته كل مرجع في كل علم فذلك ما لا تطيقه أضخم مكتبات العالم . ولكن كيف تكون مكتبة للفرد وهي لا تحوي مثلاً مرجعاً جغرافياً واحدا يفيد في معرفة موقع وجغرافية دولة إسلامية مثلا، أو تحوي – مثلاً – مرجعاً طبياً عاما ميسرا واحداً يفيد في معرفة معلومات يسيرة عن مرض ما ، أو تحوي – مثلاً – مرجعاً فلكياً واحداً يفيد في معرفة أبجديات علم الفلك .. إن الأمي ليس من لا يعرف الحروف والقراءة والكتابة وحسب ، ولكن من لا يعرف أبحديات العلوم التي تحيط به هو – حقاً – يعيش (( أميّة ثقافية )).
سقوط الشيوعية
- هذه المقالة كتبت قديماً عام 1411هـ عند سقوط الاتحاد السوفيتي
الحمد لله متم نوره ولو كره الكافرون ، والحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ..
أما بعد :
فقد قال تعالى : { ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض .}. وقد انقسم العالم المعاصر إلى قسمين هما :
المعسكر الشيوعي في الشرق ، والمعسكر الرأسمالي في الغرب وكنت –كثيراً – أجد رابطاً ووجه شبهٍ بين المعسكرين المعاصرين وبين دولتي فارس والروم قبل الإسلام ... وقد أخبر صلى الله عليه وسلم عن دولة فارس فقال:"فارس نطحة أو نطحتان ثم لا فارس بعدها أبدا . و الروم ذات القرون كلما هلك قرن خلفه قرن مكانه أهل صخر وأهل بحر هيهات لآخر الدهر هم أصحابكم ما كان في العيش خير " (أخرجه ابن أبي شيبة وله شواهد)
وها قد هوى معكسر الشرق في عصرنا بغير أيدينا وبلا نطاح ولا خصام ..
ويبقى " ولكنها الروم ذات القرون " وهاهم نسل الروم بأنفسهم وبحقدهم الصليبي فعجل الله نصرنا عليهم ولينصرن الله عليهم و لنفتحنّ قلب الروم مدينة " روما " وكل ما هوآت آت .. وإن غداً لناظره قريب ...
ولكن ما هي الشيوعية التي عمت الكون وانتشرت انتشار النار في الهشيم وكانت البوادر في الأفق تلوح إلى أن الشيوعية ستكتسح الدنيا { ولكن الله غالب على أمره }.
الشيوعية : مذهب فكري يقوم على الإلحاد ومحاربة الأديان وعبارة كارل ماركس الشهيرة هي " الدين أفيون الشعوب " ، و"أن المادة هي أساس كل شيء" ولذا يقول الشيوعيون في عبارتهم الشهيرة: لا إله والحياة مادة .
والشيوعية تفسر التاريخ بصراع الطبقات وبالعامل الاقتصادي فترى أن المادة أساس كل خلافٍ على مر التاريخ ، ويرون أن التاريخ يمر بعصور حتمية تبدأ بالشيوعية البدائية وتنتهي بالشيوعية الحديثة .. ويرون أن هذا التطور حتمى لابد أن يحدث ...
كان أول ظهور للشيوعية في ألمانيا على يد كارل ماركس وانجلز .
ثم تجسدت في الثورة البلشفية في روسيا سنة 1917مـ بتخطيط اليهود وتوسعت على حساب غيرها بالحديد والنار ...
ومن الملاحظ الارتباط الشديد والواضح سراً و علناً بين الشيوعية واليهود ... والدلائل على ذلك واضحة منذ الأسبوع الأول للثورة البلشفية ...
ولا أدل على ذلك من أن كل زعماء الشيوعية من " كارل ماركس " " ولينين " إلى " بربنيجين " كلهم يهود ...
وقد عمت الشيوعية الأرض حتى أن سيد قطب – وهو من كبار المفكرين الإسلاميين في ذلك العصر – كان يعتقد أن الشيوعية ستكتسح المعسكر الرأسمالي الغربي ثم ينتصر الإسلام عليها .
وكان هذا ما تشير إليه الأحداث فالشيوعية قد سيطرت على دول سيطرة كاملة ولها أحزاب نشطة قوية في الدول الصناعية أما الدول الإسلامية والعربية فقد أسست الشيوعية لها أحزاباً في أكثر دولها فلها أحزاب في مصر والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين والأردن وتونس وغيرها ...
عمت الشيوعية أنحاء العالم وحمل لواءها الاتحاد السوفيتي وقام بها الدب الأحمر ضخما مجلجلاً في الآفاق ولكن كما قال أبو البقاء :
لكل شيء إذا ما تم نقصان
وهذه الدار لا تبقى على أحد
فلا يغر بطيب العيش إنسان
ولا يدوم على حال لها شان
وكما قال تعالى : {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك ممن تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير} ..
انهار الاتحاد السوفيتي وكم حطم دولاً ، وقهر شعوباً ، فعمت في الأرجاء أنباء سقوطه وتفككه ، إذ أعلنت ولاياته استقلالها ... وقد كان المسلمون أكثر الناس تضرراً في الاتحاد السوفيتي فقد توسع على حسابهم ونهب خيراتهم ، وقهر شعوبهم ، وحطم دولهم ، وحرمهم أبسط حقوقهم ، وشردهم ، ومنعهم من دينهم وعاملهم بأقسى ما يستطيع من الوحشية ليبعدهم عن دينهم ويمنعهم حتى من أسمائهم الإسلامية وأقام لهم المجازر العظيمة ... وحينما بدأ الإتحاد السوفيتي بالانهيار بدأ الكشف عن مقابر جماعية للمسلمين هناك حتى أن السوفيت في عهد ستالين ( جزار البشرية ) كانوا يجعلون المسلمين صفوفاً ويطلقون عليهم الرصاص توفيراً للرصاص حتى تقتل الرصاصة الواحدة أكثر من شخص ... ولقد أذل الله الروس وأرغم أنوفهم قبل سقوطهم بجهاد الأفغان الذين أعادوا للمسلمين شيئاً من عزتهم وكانوا سبباً من أسباب خلخلة الشيوعية وإعادة النظر فيها ...
والآن حين تفكك الاتحاد السوفيتي واستقلت الولايات الإسلامية وتخلصت من العذاب والشقاء ، وانطلقت من الحاجز الحديدي أصبح من الإمكان الاتصال بهم ،وهذا ما يرجونه من إخوانهم المسلمين وهو حقهم علينا ...
فأصبح الواجب علينا كبيرا فحالهم هناك تستوجب المبادرة فما ظنك بقوم لاقوا أصناف الأذى لإبعادهم عن دينهم وأبعدوا عن مراكز الدول الإسلامية طوال سبعين عاماً ، فبعضهم الآن لم يبق لهم من دينهم إلا أنهم يعرفون أنهم مسلمون ولا يدرون شيئاً كثيراً أبعد من ذلك فهذا الجهل مظنة أن يخدعوا عن دينهم فيذهب بالجهل ما لم تستطع القوة إذهابه ...
فالأعداء قد تسابقوا على إضلالهم من الغرب الكاثولوكي وإيران الرافضية فالمسلمون هناك سنة ...
كما يخشى على المسلمين هناك من أن تفرقهم أعرافهم وعاداتهم وتذهب بهم العنصريات ...
فعلى قدر هذه الواجبات يجب أن يكون الجد في العمل ...
وما يمكن أن نقدمه لهم كثير فمن الممكن إرسال الأموال لهم ، وبعث وفود الإغاثة العاجلة إليهم ، كما يمكن إرسال وفود الدعاة إليهم وحتى العامي وطالب العلم الصغير بإمكانه المساهمة في هذا الشأن فهم هناك يجهلون حتى الصلاة والطهارة ، كما يمكن تنظيم منحٍ دراسية لهم إلى الدول العربية والإسلامية ويستحسن إنشاء جامعة إسلامية تنشر نور الإسلام هناك .
كما يجب نشر الكتب الإسلامية والأشرطة الإسلامية وترجمتها إلى لغاتهم ...
ولنأخذ حذرنا فأعداؤنا قد استقصوا حيلتهم ، وبذلوا قوتهم في نشر ضلالهم ونصرة إخوانهم
فالغرب يبذل وسعه في نصرة الإرمن النصارى والدلائل التي تشير إلى ذلك كثيرة ... أفليس واجب الإخوة الإسلامية يلزم المسلمين بنصرة الأذربيجانيين وغيرهم من الشعوب المسلمة هناك.
وإن واجب نصرة الولايات الإسلامية هناك بالدول والحكومات الإسلامية ألزم فينبغي عليها أن تسخر قواتها وتستنفد طاقاتها في إقامة العلاقات مع تلك الولايات سياسيًّا واقتصادياً وغيرها
ولكن مع هذا فلا يحقرن أحد نفسه واتقوا النار ولو بشق تمرة ... فكل عليه واجبه ، وكل على ثغرة من ثغرات الإسلام ...
والحمد لله رب العالمين
الأخوة الإسلامية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين .
أمَّا بعد :
فإن الله خلق الإنس فجعل في طبعهم الأُنس ببعض فالإنسان اجتماعي بطبعه يألف غيره وينجذب إليه وكما قيل: " شبيه الشيء منجذب إليه " .
و بهذا قامت العلاقات بين الناس متشعبةً مختلفة لا يحصرها حاصرٌ ولا يعدها عادٌّ .
وقد أراد الله من المسلمين أن تسمو هذه العلاقة بينهم لتربط المجتمع الإسلامي رابطة من الإسلام أقوى من كل رابطة بقول تعالى : { إنما المؤمنون أخوة } ويقول صلى الله عليه وسلم : " المسلم أخو المسلم " (أخرجه البخاري ومسلم)
يريد الإسلام أن يكون المسلمون يداً واحدة يجمعهم قلب واحد، من في أقصى الشرق يهمه ما أهم من في أقصى الغرب ، كما أن المرء يهمه أخبار أهله في النسب وإن نأوا عنه وشطت بهم الدنيا فمدار تفكيره فيهم و أقصى أمله لهم ، هم في قلبه لا يفارقونه، وفي وجدانه لا يبارحونه ؛ هكذا يجب أن يكون شعور المسلم لأخيه المسلم ليسود الوئام المجتمع ويكون في صورة من التكاتف تليق بأهل هذا الدين الذي هو رحمة للبشرية ...
وإذا أردنا أن نرى مثالاً فما علينا سوى أن ننظر في سير أسلافنا فهم قوم قليلون مستضعفون يفتحون مشارق الأرض ومغاربها في مدة وجيزة وأسلحة قليلة. أيكون ذلك ؟ لو لم توحدهم قوة عظيمة جعلت المرء منهم يؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة حتى سطروا في سجل المجد الإنساني أحاديث كالأساطير تتناقلها الأجيال وتحفطها الأكوان أيكون كل ذلك لمال أو جاه أو عرض من الدنيا ... لا والله ....و إنما هو كما قال تعالى : { وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم } . كل هذا مع أن العداوات كانت من قبل مشتعلة كالنار تحرق في الهشيم فأذهبوا ضغائن القلوب وأصبحوا إخوانا قال تعالى { واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا ... } .
وإذا أردنا أن نحقق ما كان لأسلافنا فلا بد أن نحقق في أنفسنا هذا الشعور... لا بد أن نحقق قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه "(أخرجه البخاري ومسلم) ولا سبيل لذلك إلا بإلقاء شح النفس { ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون }. لهذا كله كان للأخوة في الله عظيم الفضل والأجر، ووردت في ذلك الآثار الكثيرة وحسبك منها قوله صلى الله عليه وسلم :
" إن من عباد الله لأناساً ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء بمكانهم من الله تعالى" قالوا: يا رسول الله تخبرنا من هم؟ قال : " هم قوم تحابوا بروح الله بينهم على غير رحم بينهم ولا أموال يتعاطونها ، والله إن وجوههم لنور وإنهم لعلى نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس ".(حديث حسن أخرجه أبو داود وغيره)
ولكي تحفظ الأخوة مما يكدر صفوها لا بد من التحلي بآداب الأخوة فمنها التغاضي عن زلة الأخ لأنه بشر معرض للإساءة كما هو معرض للإحسان ،وهذا شيء طبيعي في كل علاقة وفي كل مجتمع.
قال بشار بن برد :
إذا كنت في كل الأمور معاتباً
فعش واحداً أوصل أخاك فإنه
إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها
صديقك لن تلق الذي لا تعاتبه
مقارف ذنب تارة ومجانبه
ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه ...
كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه...
والحمد لله رب العالمين ...
الغيبة
الحمد لله عدد خلقه ، ورضى نفسه ، وزنه عرشه ، ومداد كلماته ..
والصلاة والسلام على نبيه وعلى آله وصحبه وسائر أتباعه ..
أما بعد :
فإن لسان الإنسان موطن آفته، ومظنة زلته، ومرآة نفسه، وهو ترجمان صاحبه .. والكلمات سهام نافذة ، وعثرات اللسان ربما كانت قاتلة يقول صلى الله عليه وسلم : " وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم " (أخرجه البخاري)
ويقول الشافعي :
احذر لسانك أيها الإنسان
لا يلدغنك إنه ثعبان
وللسان آفات وأمراض تصيبه ربما أودت به .. ومن أخطر تلك الآفات الغيبة .. والغيبة كما عرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم : بأجمع عبارة وأوجز إشارة قال :
" هي ذكرك أخاك بما يكره " قالوا : أرايت إن كان فيه ما أقول قال : " إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته "(أخرجه مسلم)
وأما الفرق بين الغيبة والنميمة: أن الغيبة تكون إنشاء من الإنسان ، أما النميمة فهي بريد الفتنة وهي : "نقل الكلام على وجه الإفساد " والفروق الجزئية بينهما كثيرة منها أنه يشترط في النميمة أن تكون لقصد الإفساد ولا يشترط ذلك في الغيبة .. وغير ذلك من الفروق ...
والغيبة داء فاتك يهدم أواصر المجتمع الإسلامي ويقوض علاقته ويزرع الأحقاد في القلوب .. ولذلك حرّمها الإسلام وعدها من الكبائر قال تعالى : { ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه } انظر إلى شناعة الوصف: إنسان يأكل لحم أخيه وليس هذا فحسب بل يأكله وهو ميت جيفة مستقذرة ..
هذه هي الغيبة وهذا مثلها ! فكيف بعد هذا يجد مسلم في الغيبة لذة؟ويراها من أحسن ما يشتغل به ويهتك عرض أخيه ويأكل من لحمه ؟! عافانا الله ...
إنه مرض ينبغي للمرء أن يطهر لسانه منه ويحفظ سمعه عنه، ومن رأى مبتلى به فلينصحه ولينبهه ، وإن سمع في مجلس غيبة شخص فليقم بواجب الأخوة نحوه فيذب عنه ويسكت مغتابه ويذكر أحسن ما يعرف عنه . قال صلى الله عليه وسلم : " من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة "(حديث صحيح أخرجه الإمام أحمد والترمذي ) فإن لم يستطع أن يذب فلا أقل من أن يترك ذلك المجلس فلا يقعد معهم حتى يخوضوا في حديث غيره ...
ولكي يحسم الداء من أصوله ويقتلع من جذوره علينا أن نشخص الداء لنصف الدواء .. وأن نتعرف على الأسباب لنعالجها ..
ومن أسباب الغيبة ضعف مراقبة الله فالمرء لو استحضر أن الله ينظر إليه ويسمع كلامه ما كان لسانه ينطق في معصية ..
ومن أسباب الغيبة الحقد فالحاقد يحس ناراً تضطرم في فؤاده لا يسكنها إلا شفاء غليله بالتشفي .. وأني له أن تسكن بذلك ! .
ومن أسباب الغيبة : الحسد فالحاسد يروم أذى محسوده ويقصد خفض منزلته ويتكلم في غيبته بذمه لعله يخفض مقامه عند الناس ..
ومن الأسباب : موافقة الجلساء ومجاملتهم أو أن يريد رفعة نفسه وخفض غيره أو يكون لا عباً هازلاً وغيرها ..
وأما علاج الغيبة فيكون بحسم أسبابها والتوقي منها ، كما يكون العلاج بمراقبة الله وخشيته وعلم المغتاب أنه يجعل لسانه وهو نعمة من الله في معصية الله ..
كما أن من علاج الغيبة أن يرفع المرء نفسه فإن الغيبة ضعة وذلة في النفس ومن كان ذا شرف لا يتحدث في الغيبة ترفعاً بنفسه عن مستنقعاتها وأوحالها ...
يقول حسان يمدح عائشة رضي الله عنهما :
حصان رزان ما تزن بريبة
وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
ويقول الشاعر :
لا تراني راتعا في مجلسٍ
في لحوم الناس كالسبع الضرم
... ومن علاج الغيبة:سلامة الصدر وخلوصه من الأقذاء ، قال تعالى { ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا } ... ومن وقع في الغيبة وأراد التوبة منها فعليه إخبار من اغتابه والتحلل منه فإن خشي مفسدة فعليه الدعاء له بظهر الغيب وأن يذكره بخير بين الناس حتى يظن بأنه قد جازاه .. وليكن معلوماً أن في الغيبة حالات جائزة، الأدلة عليها ثابتة .. وقد جمعها الناظم فأحسن فقال :
القدح ليس بغيبة في ستة
ومجاهر فسقا ، ومستفت ومن
متظلم ، ومعرف ، ومحذر
طلب الإعانة في إزالة منكر
إلا أن على المرء أن يكون حذراً من التوسع فيما يباح .. فلربما أوتي الإنسان لسناً وقوة عارضة فذهب يحاجج عن نفسه ويتعذر لغيبته والأمر كما قال تعالى : { بل الإنسان على نفسه بصيرة * ولو ألقى معاذيره}.وفي الحديث:"إنما الأعمال بالنيات"(أخرجه البخاري)
وفي الختام الغيبة تهدم مجتمعات ، وتثير عداوات، وتهيج الشحناء والبغضاء وتفكك المسلمين وتوغر صدورهم وتذهب ودهم . فالحذر الحذر، فالأمر ذو خطر . والغيبة من اللسان دانية وللدين حالقة .
ولك اللهم الحمد في البدء والمنتهى ...
دور الشباب في حمل راية الإسلام
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد :
فإن الشباب قوة دفاقة متطلعة نحو المستقبل.والشباب في كل أمة عمادها،وركن حضارتها، ولا تقوم حضارة لأمة إذا انحرف شبابها؛ولهذا حرص الإسلام على تقويم الشباب وتوجيههم نحو البناء الإيجابي،وشرع أموراً تقي الشاب فتنة الشهوة والشبهة وحثه على التمسك بها، وأجزل الأجر لمن استقام عليها ... فقد ورد في الحديث: أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لاظل إلا ظله شاب نشأ في طاعة الله .( أخرجه البخاري ومسلم) وذلك لأن الشباب وقت عنفوان وتفجر للغرائز وحماس دافق فإذا ما قاوم الشاب المسلم كل هذا دل على صدق في ايمانه واستقامة عظيمة في سلوكه .
والشاب في هذا السن أكثر تأثرا ولهذا كان كثير من أول الصحابة إسلاما هم من الشباب. والشاب في هذا السن أكثر تأثيراً وعملاً للمنهج الذي يلتزم به لعاطفته المتقدة وحماسه المتوثب .
كما أنه لا يزال غضاً طرياً قابلاً للإصلاح وتغيير الطريق .يقول الشاعر:
إن الغصون إذا قومتها اعتدلت
ولا تلين إذا كانت من الخشب
والشيخ من الصعب عليه أن يغيرا أمراً أمضى عليه حياته،وأفنى عليه عمره .
قال زهير :
وإن سفاه الشيخ لا حلم بعده
وإن الفتى بعد السفاهة يحلم
على أن حماس الشاب وعاطفته حتم عليه أن يحكمه بالعقل لأن التصرف بلا عقل قد يفسد أكثر مما يصلح ولهذا ما أحسن الشاب بعقل الشيوخ وما أحسن الشيخ بجدّ الشباب .
وعلى الشاب أن يستفيد من الشيوخ ومن تجاربهم فإن التجارب عمر يضمه الإنسان لعمره وعليه أن يلزمهم كي يوجهوه وينيروا دربه ...
وإن شر شيء على الشاب طيشه وركونه قال الشاعر:
حب التناهي غلط
خير الأمور الوسط
وبالمقابل فإن ركون الشاب وتهاونه أمر ممقوت بكل معيار فإن الشاب إذا لم يعمل في فتوته فمتى يعمل ؟ يقول الشاعر :
شباب قنع لا خير فيهم
وبورك في الشباب الطامحينا
وإن هذه الأمة قد علقت آمالها بشبابها ، وهم هدف أعدائها فإن أعداء الأمة - لما عجزوا عن مقارعتها في ميادين الحروب ، وأعيتهم في الجبال والسهوب - حاولوا أن يأتوها من الداخل كالذي يسقي عدوه السم فيقتله فيموت فوراً أو على مهل ؛ فإن الدول إذا نخرتها الأمراض سقطت ولولم يسقطها أحد، وفي سبيل إفساد الشباب سخر أعداء الإسلام كل إمكانياتهم فأتوا بغزو فكري لتشويه العقول ، وأتوا بفتن وشهوات لإضعاف القلوب وصرف الشباب عن المعالي .
يقول الشاعر:
مؤامرة تدور على الشباب
مؤامرة تقول لهم تعالوا
ليعرض عن معانقة الحراب
إلى الشهوات في ظل الشراب
وانك لتعجب لشاب على عقيدة منحرفة وقد بذل لها كل غال ونفيس واستهان بروحه ودمه وجهده ووقته في سبيلها أفليس شبابنا وهم على التوحيد والعقيدة الصافية أحق منهم بذلك ؟.
والحمد لله رب العالمين
المحتويات
المقدمة 2
الإخلاص 3
الثقافة 5
سقوط الشيوعية 7
الأخوة الإسلامية 10
الغيبة 12
دور الشباب في حمل راية الإسلام 15