غلاف النسخة الإلكترونية الأولى
غلاف النسخة الإلكترونية الثانية
رابط كتاب :تعريف الإيمان في اللغة وأثره في العقيدة، في جوجل درايف
تعريف الإيمان في اللغة
وأثره في العقيدة
تأليف
ماجد بن عبد الله الطريّف
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عباده المصطفين، وعلى خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد…
فإن الإيمان هو نور قلب الإنسان، وهو هاديه إن ضلت به العينان.
والله – من أجل الإيمان به – أرسل المرسلين، وإليه دعا العباد أجمعين، وجعله في قلوب عباده الصالحين، فكان قرة أعين لهم في الدنيا ويوم يقوم الناس لرب العالمين.
وقد أعظم الله ذكر الإيمان في القرآن حتى ورد ذكره– بأنواع مشتقاته – أكثر من 800 مرة وهذا العدد الكثير في مرّات الورود هو أكثر تكرار لكلمة في القرآن بعد لفظ الجلالة (الله).
وهذه الكثرة في العدد تظهر جلياً عظمة الإيمان ومزيد عناية الله به، وتوحي بأن القرآن أنزله الله ليكون زاداً للإيمان…
وقد اختلف في حقيقة الإيمان، وامتد هذا الخلاف إلى معنى الإيمان في اللغة فجعله بعض المبتدعة عمدةً لهم في قولهم إن الإيمان هو التصديق بالقلب فقط،دون عمل الجوارح ؛ وذلك لأن علماء اللغة قالوا: إن الإيمان هو التصديق… وقد رد علماء السلف على المرجئة الذين قالوا بذلك بردود،
ومَّما يتصل بمعنى الإيمان في اللغة رد علماء السلف دعوى اتفاق علماء اللغة على أن الإيمان هو التصديق فقط وردهم دعوى أن العرب لا تعرف معنى للإيمان غير التصديق وقد رد ابن تيميه - رحمه الله – في كتاب (الإيمان) هذه الدعوى بأكثر من 15 وجهاً نكتفي من ذلك بأن يقال أن هناك من نازع في ذلك فقال إن الإيمان هو الإقرار وقيل غير ذلك.
وأن يقال: إن كان المراد بأهل اللغة المتكلمين بها قبل الإسلام وقبل نزول القرآن فهؤلاء لم نشهدهم ولم يصلنا نقل عنهم في بيان معنى الإيمان وإن كان المراد نقلة اللغة كالخليل والأصمعي وغيرهم فهؤلاء لا ينقلون كل ما كان قبل الإسلام بإسناد وإنما ينقلون ما سمعوه من العرب في زمانهم وما سمعوه في دواوين الشعر وكلام العرب وغير ذلك بالإسناد ولا نعلم فيما نقلوه لفظ الإيمان فضلاً عن أن يكونوا أجمعوا عليه.
ثم يقال هؤلاء لا ينقلون عن العرب أنهم قالوا معنى هذا اللفظ كذا وكذا وحينئذ فلو قدر أنهم نقلوا كلاماً عن العرب يفهم منه أن الإيمان هو التصديق، لم يكن ذلك أبلغ من نقل المسلمين كافة للقرآن عن النبي ، وإذا كان مع ذلك قد يظن بعضهم أنه أريد به معنى ولم يرده، فظن هؤلاء ذلك فيما ينقلونه عن العرب أولى( ).
وقد شدَّد علماء السلف الردّ على من قال إن الإيمان هو التصديق حتى لا يكون ذريعة للمبتدعة كالجهمية الذين يقولون إن الإيمان هو التصديق بالقلب فقط دون القول والعمل كما هو قول أهل السنة.
وفي هذا المختصر سنحاول أن نصل إلى التعريف المختار للإيمان في اللغة.
ولهذا يجب أن ننظر:
أولاً: في أقوال علماء اللغة في تعريف الإيمان لغةً .
ثم ننظر ثانياً : في تعريف علماء الشرع للإيمان في اللغة وكيف استقر تعريفه لديهم بعد أن جاء الاصطلاح الشرعي وحدد مفاهيم الألفاظ، ولا يعني ذلك أن نعرض لتعريف الإيمان شرعاً ولكن سنعرض لتعريف الإيمان في اللغة عند علماء الشريعة.
ثم نصل ثالثاً: بإذن الله إلى التعريف المختار للإيمان في اللغة.
أولاً: تعريف الإيمان في اللغة عند علماء اللغة:
هل أجمع علماء اللغة على أن الإيمان هو التصديق؟
الحق أن الشائع عندهم أن الإيمان هو التصديق ولكن هذا لا ينفي أنهم أوردوا معاني أخرى للإيمان.
ومما أورده علماء اللغة في معنى الإيمان لغة:
ما أورده الفيروز بادي في (القاموس المحيط) قال: (وآمن به إيمانا صدقه، والإيمان: الثقة، واظهار الخضوع، وقبول الشريعة( )).
وما أورده الجوهري في (الصحاح): قال: (والإيمان: التصديق
وأصل آمن أأمن، بهمزتين لينت الثانية( ).)
وقال أحمد رضا في "متن اللغة": (الإيمان ضد الكفر وهو التصديق "ضد التكذيب" والإيمان: الثقة، إظهار الخضوع وقبول الشريعة، الطمأنينة: الإجارة، مصدر آمنه)( ).
وقال في "تاج العروس" : (الأمن قال المناوي عدم توقع مكروه في الزمن الآتي، وأصله طمأنينه النفس وزوال الخوف).وقال: (وأمن به ايمانا صدَّقه والإيمان التصديق وهو الذي جزم به الزمخشري في الأساس واتفق عليه أهل العلم من اللغوين وغيرهم وقال السعد رحمه الله تعالى أنه حقيقة وظاهر كلامه في الكشاف أن حقيقة آمن به آمنه التكذيب لأن أمن ثلاثياً متعد لواحد بنفسه، فإذا نقل لباب الأفعال تعدى لاثنين فالتصديق عليه معنى مجازي للإيمان وهو خلاف كلامه في الأساس ثم إن آمن يتعدى لواحد بنفسه وبالحرف ولاثنين بالهمزة على ما في الكشاف والمصباح وغيره.
وقيل إنه بالهمزة يتعدى لواحد كما نقله عبدالحكيم في حاشية القاضي وقال في حاشية المطول أمن يتعدي ولا يتعدى. وقال بعض المحققين الإيمان يتعدى بنفسه كصدق وباللام باعتبار معنى الإذعان وبالباء باعتبار معنى الأعتراف إشارة إلى أن التصديق لا يعتبر بدون اعتراف، وقد يكون الإيمان بمعنى الثقة يتعدى بالباء بلا تضمين قاله البيضاوي رحمه الله تعالى، وقال الجوهري اصل آمن أأمن بهمزتين لينت الثانية وقال الأزهري أصل الإيمان الدخول في صدق الأمانة التي أئتمنه الله تعالى عليها فإن اعتقد التصديق بقلبه كما صدَّق بلسانه فقد أدى الأمانة وهو مؤمن. ومن لم يعتقد التصديق بقلبه فهو غير مؤدٍ للأمانة التي أئتمنه الله عليها وهو منافق ومن زعم أن الإيمان هو إظهار القول دون التصديق بالقلب فهو لا يخلو أن يكون منافقاً أو جاهلاً لا يعلم ما يقول أو يقال له، قلت: وقد يأتي الإيمان على الاقرار باللسان فقط كقوله تعالى: { ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا}، أي آمنوا باللسان وكفروا بالجنان فتأمل!
وقد يكون الإيمان اظهار الخضوع وأيضاً قبول الشريعة وما أتى به النبي واعتقاده وتصديقه بالقلب قاله الزجاج.
قال الإمام الراغب رحمه الله تعالى الإيمان يستعمل تارة أسماً للشريعة التي جاء بها النبي وتارة يستعمل على سبيل المدح ويراد به إذعان النفس للحق على سبيل التصديق وذلك باجتماع ثلاثة أشياء تحقيق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان ويقال لكل واحد من الاعتقاد والقول والصدق والعمل الصالح إيمان( )، 1.هـ.
وقال ابن منظور في "لسان العرب":
(والإيمان ضد الكفر والإيمان بمعنى التصديق ضده التكذيب يقال آمن به قوم وكذَّب به قوم.
وآمن بالشيء صدق وأمن كذب من أخبره).
وقال نقلاً عن الأزهري في التهذيب: (وأما الإيمان فهو مصدر آمن يؤمن ايماناً فهو مؤمن واتفق أهل العلم من اللغويين وغيرهم أن الإيمان معناه التصديق قال الله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا}.
وقال الله تعالى حكاية عن أخوة يوسف لأبيهم: {وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين} لم يختلف أهل التفسير أن معناه ما أنت بمصدق لنا والأصل في الإيمان الدخول في صدق الأمانة.وقال الأزهري في قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} قال: والذي عندي فيه أن الأمانة ههنا النية التي يعتقدها الأنسان فيما يظهره باللسان من الإيمان ويؤديه من جميع الفرائض في الظاهر.وفي حديث ابن عباس قال : (الإيمان أمانه ولا دين لمن لا أمانة له).وفي حديث آخر: (لا إيمان لمن لا أمانة له). وقالوا للخليل :ما الإيمان؟ قال :الطمأنينة)( ) 1.هـ.
وقد أورد ابن منظور شاهداً لا يعرف قائله لاستعمال آمن بمعنى صدق متعدياً لواحد بنفسه وهو قوله:
ومن قبل آمنا – وقد كان قومنا
يصلون للأوثان قبل – محمدا( )ا.ه
وقوله :آمناً محمداً:أي صدقناه.وهذا بيت تظهر عليه الصنعة وهو لا يغير في معنى الكلمة مع ذلك.
وأما معجم (المنجد) فأورد في ذلك قوله في معنى الإيمان :"آمن إيمانً به صدقه ووثق به وآمن له خضع وانقاد " وقال" الإيمان التصديق مطلقاً وهو نقيض الكفر" ( ).هــ
وقال ابن فارس في معجم "مقاييس اللغة" :- "أمن" الهمزة والميم والنون أصلان متقاربان : أحدهما الأمانة التي هي ضد الخيانة ومعناها سكون القلب ؛ والآخر التصديق والمعنيان كما قلنا متدانيان ". وقال: "وأما التصديق فقول الله تعالى: {وما أنت بمؤمن لنا } أي : مصدق لنا" ( ).
2- تعريف الإيمان في اللغة عند علماء الشريعة :-
إذا كان علماء اللغة قد أوردوا معاني أخرى للإيمان غير التصديق فإن علماء الشريعة قد استقر لديهم وشاع أن الإيمان في اللغة هو التصديق حتى كادوا يطبقون على ذلك وإن كان ابن تيمية رحمه الله في كتاب الإيمان قد حكى عن بعض العلماء أنه الإقرار( ) .وحكى عن بعضهم قولهم: أن الإيمان مشتق من الأمن ( ) وغير ذلك ...
وأما ابن تيمية رحمه الله فهو أشد من رد أن يكون الإيمان هو التصديق وقد رده من وجوه – سيأتي ذكرها – ولكن ابن تيمية -رحمه الله – لم يورد التعريف المختار لديه . وإن كان قد قال – رحمه الله – وأما الإيمان فأصله تصديق وإقرار ومعرفة ، فهو من باب قول القلب المتضمن العمل
والأصل فيه التصديق والعمل التابع له.
وأما الراغب الأصفهاني في كتابه (المفردات في غريب القرآن) فقال:"... قال تعالى { وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين }قيل معناه بمصدق لنا إلا أن الإيمان هو التصديق الذي معه أمن . وقوله تعالى {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت }فذلك مذكور على سبيل الذم لهم، وأنه قد حصل لهم الأمن بما لا يقع به الأمن – إذ ليس من شأن القلب , ما لم يكن مطبوعاً عليه – أن يطمئن إلى الباطل وإنما ذلك كقوله تعالى {ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم }وهذا كما يقال إيمانه الكفر وتحيته الضرب ونحو ذلك "..( )
وقال ابن الأثير في النهاية " أمن في أسماء الله تعالى " المؤمن هو الذي يصدق عباده وعده فهو من الإيمان التصديق أو يؤمنهم في القيامة من عذابه فهو من الأمان والأمن ضد الخوف ( ) ... 1. هـ
وأما عامة المفسرين فذكروا أن الإيمان في اللغة هو التصديق.. ومن أولئك ابن كثير ( ) والشوكاني( ) وتفسير الجلالين ( ) والشيخ عبدالرحمن السعدي( ) وغيرهم.
وإلى أن الإيمان هو التصديق أشار ابن حجر في فتح الباري( ) ، ومحمد منير الدمشقي في حاشية مختصر شعب الإيمان للبيهقي( ) وغيرهم من العلماء .
3 - التعريف المختار للإيمان في اللغة :-
إن علماء اللغة - كما سبق– ذكروا معاني أخرى للإيمان غير التصديق منها :
الثقة ، والقبول ، والطمأنينة ، ومنح الأمن ( الإجارة ) فيقال " آمن" إذا آمن غيره من (عدوه) ، والاعتراف ، والإذعان، والخضوع ، والانقياد ... ومنها بمعنى التصديق أمن كذب من أخبره .
هذه المعاني هي جملة ما ذكره علماء اللغة وقد جرى على بعضها علماء الشريعة وإن لم يتوسعوا في ذلك وإن لم يتطرق إليها أكثرهم ؛ إذ كان أكثر كلامهم هو في معنى الإيمان شرعاً.. وكأنه قد استقر إليهم أن الإيمان لغةً هو التصديق ...
وأما أوجه رد أن يكون الإيمان هوالتصديق فقد ذكر ابن تيمية – رحمه الله – ثلاثة أوجه لذلك:
أولاً: أن الإيمان ليس مرادف للتصديق وشاهد ذلك الفارق اللفظي بينهما فإن "صدق" يتعدى بنفسه وأما "آمن" بهذا المعنى فلا تتعدى إلا بالباء أو اللام.
ثانياً:- أن التصديق ليس مرادفاً للفظ "الإيمان" في المعنى فإن كل مخبر عن مشاهدة أو غيب يقال له في اللغة : صدقت كما يقال كذبت. وأما لفظ الإيمان فلا يستعمل إلا في الخبر الغائب ولم يوجد في الكلام أن من خبر عن مشاهدة ؛ كقوله : طلعت الشمس وغربت أنه يقال آمنا، كما يقال : صدقنا.
ثالثاً: أن لفظ الإيمان في اللغة لم يقابل بالتكذيب ، كلفظ التصديق بل المعروف في مقابلة الإيمان لفظ الكفر .. يقال هو مؤمن أو كافر والكفر لا يختص بالتكذيب ؛ بل لو قال أنا أعلم أنك صادق ، لكن لا أتبعك بل أعاديك وأبغضك وأخالفك لكان كفره أعظم. فإذا كان الكفر المقابل للإيمان ليس هو التكذيب فقط ، علم أن الإيمان ليس هو التصديق فقط. بل إذا كان الكفر يكون تكذيباً ، ويكون مخالفة ومعاداة وامتناعاً بلا تكذيب فلابد أن يكون الإيمان تصديقاً ، مع موافقة وموالاة وانقياد فلا يكفي مجرد التصديق( ) .. 1. هـ
وإذا كان هذا هو الفارق بين الإيمان والتصديق .. فقد يقال :لم قال أهل اللغة وشاع عندهم أن الإيمان هو التصديق إذا كان كل هذا يفرق بينهما ؟
ويجاب بأن الإيمان هو التصديق حقاً كما قالوا ولكنه التصديق وزيادة , وأهل اللغة إذا أرادوا بيان معنى كلمة في اللغة ذكروا كلمة تقاربها توضح معناها ولم يستقصوا في التفصيل ؛لأن مرادهم بيان المعنى وليس التعريف ولذا تراهم يبينون معنى كلمة بذكر نقيضها أو كلمة تقاربها أو وصف لا ينضبط به معناها ولكنه يعرفها ، وربما قالوا في معنى كلمة :هو معروف ؛ وذلك إذا كانت الكلمة مشهورة المعنى لا تحتاج إلى تبيين.
وأما من رام التعريف فإنه يلزمه أن يكون التعريف أو الحد جامعاً مانعاً، جامعاً يحوي كل ما هو منه، مانعاً يخرج كل ما ليس منه، ثم هو مبين لا غموض فيه، ظاهرٌ لا إشكال فيه وهذا مكمن الصعوبة في التعريف وهو ما سنحاول تحديده في مسألة الإيمان..
وقد ذكر العلماء فيما سبق تعاريف الإيمان ، فإذا لم يكن الإيمان هو التصديق وحسب فهل يكون كما قيل : التصديق بالأمور الغيبة..
إن هذا التعريف سلم من الوجه الثاني من الأوجه الثلاثة التي فرق فيها بين الإيمان والتصديق وهو كون الإيمان في الأشياء الغيبية ولكن يبقى الاعتراضان الآخران وزد عليها أن التصديق متعلق بالأخبار بخلاف الإيمان .. أرأيت من قال: أنا مصدق بكذا فإنه يجوز أن يقال له : ومن قال لك ذلك؟ ومن أخبر به حتى تصدقه؟ ولا يجوز أن يقال ذلك لمن قال:أنا مؤمن بكذا .. لأن الإيمان لا يتعلق بالخبر وحده.
فإن لم يكن تعريف الإيمان في اللغة هو: التصديق بالأمور الغيبية ، فهل هو كما قال بعض العلماء: الإقرار .
الرد عليه كالرد على من قال بالتصديق ويكفي في ذلك ما قاله الإمام أحمد قال:وأما من زعم أن الإيمان الإقرار فما يقول في المعرفة هل يحتاج إلى المعرفة مع الإقرار؟ وهل يحتاج أن يكون مصدقاً بما عرف.ثم قال : وإن جحد وقال: لا يحتاج إلى المعرفة والتصديق فقد قال قولا عظيماً ، ولا أحسب أحداً يدفع المعرفة والتصديق.. ( )
وفي معرض كلام لابن تيمية قال: والإنسان قد يقر للرسول بمعنى أنه يلتزم ما يأمر به مع غير معرفة ومن غير تصديق له بأنه رسول الله، لكن لم يقل أحد من المرجئة : إن هذا الإقرار يكون إيماناً.. ( )
ونشير هنا إلى أنه لا فرق بين تعريف الإيمان لغة والإيمان شرعاً إلا أن الإيمان شرعاً هو إيمانٌ بشيء مخصوص..
ونعود فنقول مما تقدم يتبين أنه لابد من المعرفة والتصديق إضافةً إلى الإقرار فهل نقول إن الإيمان هو التصديق والإقرار كما قال بعض العلماء
أو ليكون المعنى أشمل هل نقول إن الإيمان هو:التصديق والإقرار والمعرفة ؟
ولكن يعترض على هذا بأن من عرف وصدق وأقر ولكنه عاند وأبى فهل يكون مؤمناً ؟ حتماً لا فتبين أنه ليس بذلك.
ومما ذكر من التعاريف للإيمان : الطمأنينة . فهل الإيمان هو الطمأنينة كما قال الخليل وغيره؟
إن من الفرق بين الإيمان والطمأنينة أن الطمأنينة لازمة وأما الإيمان فيتعدى بالحرف ، فإذا قلت: آمنت ؛ جاز أن يقال لك: بم آمنت؟
وأما إذا قلت: اطمأننت فلا يجوز أن يقال ذلك..
وهذا من الوصول إلى التعريف ومعرفة المعنى الدقيق عن طريق الاستعمال اللغوي. وللوصول للتعريف عادةً يسلك طريقان إما معرفة الاشتقاق اللغوي أي معرفة أصل الكلمة التي أخذت منه، أو من الاستعمال اللغوي أي استعمال أهل اللغة للكلمة..
ومما سلف يتبين أن الإيمان ليس هو الطمأنينة ، فإن الطمأنينة حالة في القلب لا تنصب على شيء وإنما هي ملازمة له . وإن كان لها أسباب مسببة أو دواعٍ داعية ولكنما هي بذاتها حالة لازمة بخلاف الإيمان فإنه لابد أن ينصب على شيء.
ومما عرف به الإيمان: القبول ويقال فيه كما يقال في رد التصديق والإقرار فيما سلف .. فإن من قبل ولم يصدق ويقر لم يغنه ذلك .
والراجح في تعريف الإيمان أنه "الأمن لأمر غيبي" هذا هو معنى الإيمان وهو موافق للاشتقاق اللغوي فإنه مشتق من " أمن" وبهذا يتبين أن :أمن أصل واحد وترجع جميع المشتقات إليه.
وليس أصلين كما قال ابن فارس في "مقاييس اللغة": أمن الهمزة والميم والنون أصلان متقاربان:
أحدهما :الأمانة التي هي ضد الخيانة ومعناها سكون القلب،
والآخر التصديق . والمعنيان كما قلنا متدانيان"( ) 1. هـ
ومعنى "الأمن " هنا: سكينة القلب وطمأنينته وعدم الخوف، والخوف هنا هو من بطلان ما اعتقد المرء ونحو ذلك..
وقد أشار إلى أن الإيمان مشتق من الأمن بعض العلماء كما ذكره ابن تيمية – رحمه الله – في كتابه "الإيمان" كما سبق.
وإذا تبين أن الإيمان هو " الأمن لأمر لغيبي " فينبغي أن يعلم أن هذا هو المعنى العام ويحتاج إلى إيضاح وتبيين لكي يكون تعريفاً . وإيضاحه يكون ببيان مظاهره حتى لا يظن بأنه الأمن على سبيل التصديق فحسب.. ولذا ينبغي أن يعرف الإيمان فيقال : " الأمن لأمر غيبي تصديقاً واعترافاً وقبولاً" .
والاعتراف هنا يشمل الإقرار والمعرفة ..
والفرق بين الإقرار والاعتراف كما قال أبو هلال العسكري – رحمه الله – في كتابه " الفروق اللغوية " قال: ويجوز أن يقر المرء بالشيء وهو لا يعرف أنه أقر به، ويجوز أن يقر بالباطل الذي لا أصل له، ولا يقال لذلك اعتراف إنما الاعتراف هو الإقرار الذي صحبته المعرفة بما أقر به مع الالتزام له.
ولهذا يقال الشكر اعترافٌ بالنعمة ولا يقال إقرارٌ بها لأنه لا يجوز أن يكون شكراً إلا إذا قارنت المعرفة موقع المشكور وبالمشكور له في أكثر الحال.
فكل اعتراف إقرار وليس كل إقرار اعترافاً ولهذا اختار أصحاب الشروط ذكر الإقرار لأنه أعم" ( ) 1. هـ
والخلاصة أن تعريف الإيمان لغةً هو:
} الأمن لأمرٍ غيبي تصديقاً واعترافاً وقبولاً {
وبهذا التعريف للإيمان تنطوي جملة من التعريفات التي ذكرها العلماء.
وعلامة سلامة هذا التعريف أنه جامعٌ مانع( ) .
ختاماً:
هذا هو المختار في تعريف الإيمان في اللغة حسب ما تيسر وتسهل، بعد البحث والتأمل، والله أعلم، ورد العلم إليه أسلم ...
والحمد لله رب العالمين..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.