غلاف النسخة الإلكترونية الأولى
غلاف النسخة الإلكترونية الثانية
رابط كتاب :قصة عالم في جوجل درايف
قصة عالم
تأليف
ماجد بن عبدالله الطريّف
بسم الله الرحمن الرحيم
قصة عالم
إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وعلى آله و صحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإليكم هذه القصة:
المكان: مغرب العالم الإسلامي (في صحراء المغرب العربي قرب ضفاف المحيط الأطلسي).
تبدأ الأحداث بخروج عالم إلى إحدى الجزر القريبة من البر منقطعاً للعبادة ومعه بضعة رجال من صحبه… ثم لا يلبث أن يخرج للناس بقوة صغيرة نحو ألف رجل… فيحمل دعوة ويؤسس دولة تبسط سلطانها على المغرب العربي الكبير ويمتد قبس منها للشاطيء الأندلسي فيبسط سلطانه على الثغر السليب (الأندلس) فيحفظ الاسلام فيه قروناً من الزمان..
فمن هو ذلك العالم الذي شيد تلك الدولة التي كانت انطلاقتها للدعوة إلى الله ، وشعارها: الجهاد في سبيل الله؟
وما هي تلك الدولة التي امتدت من حدود تونس شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً.. ومن حدود غانا جنوباً في أعماق الصحراء عبوراً بموريتانيا ومالي والمغرب العربي إلى البحر المتوسط شمالاً شاملة للأندلس.
من هو ذلك العالم الذي ظهر في المغرب كما تشرق الشمس في المشرق؟
ومتى كان زمان ذلك؟ وما هي تلك الدولة المباركة؟وما هي تفاصيل ذلك الحدث؟
أما الرجل فهو عبدالله بن ياسين الجزولي..
وأما زمان ذلك فهو القرن الخامس الهجري
وأما الدولة فهي دولة المرابطين..الدولة السنية المباركة التي حفظت الإسلام في بلاد المغرب قرونا من الزمان وامتدت إلى الأندلس على يد أحد طلاب الشيخ عبد الله بن ياسين وهو القائد :يوسف بن تاشفين الذي قاد معركة الزلاقة الشهيرة في الأندلس ضد النصارى .
وأما تفاصيل تلك الأحداث فهو موضوع حديثنا..
ولكن لنلق نظرة على أحوال المغرب الإسلامي قبل قصة تلك الأحداث الكبيرة..
أحوال المغرب الاسلامي قبل دولة المرابطين..
كانت بلاد المغرب تعاني منذ أوائل القرن الرابع من التفكك والأنقسام السياسي إذ كانت وحدتها قد تمزقت بعد سقوط دولة الأدارسة في مطلع القرن الرابع والحروب بين أمويّ الأندلس وبين العبيدين بالمغرب، الذين أقاموا دولتهم بالمغرب ثم تقهقروا إلى مصر بعد أن احتلوها في منتصف القرن الرابع وانحسر نفوذهم عن المغرب وقامت فيه عدة إمارات صغيرة تحكمها قبائل من البربر وغيرهم.. كالدولة الزيرية في المغرب الأدنى والأوسط وكدولة بني جماد في المغرب الأوسط.. وغيرها.. ذلك من الناحية السياسية.
أما من الناحية الدينية..
فقد كان المغرب يعاني من الإنحراف الديني.. فرغم دخول حواضر المغرب الشمالية في الإسلام منذ القرن الهجري الأول كالقيروان وبرقة وغيرها.. إلا أن الإسلام لم يتغلغل في نفوس كثير من القبائل البربرية في الصحراء وفي المناطق الجبلية وغيرها بسبب الجهل بالإسلام فقد ظلت كثير من القبائل تدين بالمجوسية والوثنية، ودخلت البدع والضلالات من بقايا الوثنيات في الدين الإسلامي، وازداد الأمر سوءاً بظهور الدعوات المذهبية ورواجها بسبب الجهل بالإسلام فانتشرت الرافضية والخوارج بل أقيمت لهم دول كالرستمية للخوارج والعبيدية للرافضة وغيرها.. واختلط ذلك بالكثير من المعاصي والمنكرات التي انتشرت بين الناس بلا منكر ولا رادع.
وأيضاً ظهرت حركات مارقة على أيدي مدعي النبوة والمهدية الكاذبين، فلبسوا على الناس عقائدهم وشبهوا عليهم دينهم.
ومع هذا فقد ظل للإسلام والسنة قوة لا سيما في المدن والحواضر في الشمال الغربي وذلك لشيوع التعليم وقوة الاتصال بالمشرق الأسلامي.
ويكمن إجمال العوامل المؤثرة سلباً دينياً في المغرب العربي بعدة عوامل هي كما سلف.
1) الجهل بالدين الإسلامي.
2) انتشار البدع والخرافات.
3) انتشار الدعوات المذهبية كالخوارج والرافضة.
4) وجود الأديان الأخرى كالمجوسية والوثنية وغيرها.
5) ظهور حركات مارقة كدعوات النبوة والمهدية.
6) فشو المعاصي والمنكرات، والظلم والجور بين الولاة.
ومن الناحية الاجتماعية لشعوب المغرب:
فقد كان يسكن المغرب قبائل البربر، والبربر كما قال موسى بن نصير:هم من أشبه الشعوب بالعرب في حلهم وظعنهم ومنازلهم ودوابهم وعصبيتهم وباديتهم.. – وغير ذلك – فهم قبائل تتفرع إلى بطون كالعرب‼
* والبربر ينقسمون إلى قسمين:
1. بتر، ومنه قبائل: زناتة ولواته ومطغرة ومديونة.
2. برانس، ومنه قبائل: صنهاجة ومصمودة.
وقد اختلط مع البربر الكثير من العرب لا سيما في الشمال والحواضر وقد أقام العرب الكثير من الدول الصغيرة التي حكموها في المغرب وكانت لهم فيها السيادة بعد انحسار الدولة العباسية المبكر.. كما أقام البربر بعض الدول الصغيرة التي حكموها أو استقلوا بالسيادة القبلية فلكل قبيلة حكمها الخاص.
انطلاقة المرابطين:
قبيلة الملثمين احدى قبائل صنهاجة .ومن فروع قبائل الملثمين: جزولة ولمطة وجدالة ومسوفة ودكالة وهسكورة ولمتونة.
وكانت الرئاسة في الملثمين للمتونة، وكان الملثمون كما قال ابن خلدون استوطنوا (بالقفر وراء الرمال الصحراوية بالجنوب، أبعدوا في المجالات هنالك منذ دهور قبل الفتح لا يعرف أولها، فأصحروا عن الأرياف ووجدوا بها المراد وهجروا التلول وجفوها، واعتاضوا منها بألبان الإبل ولحومها انتباذاً عن العمران واستئناساً بالانفراد وتوحشاً بالعز عن الغلبة والقهر فنزلوا من ريف الحبشة جواراً وصاروا ما بين بلاد البربر وبلاد السودان حُجَزاً، واتخذوا اللثام ( ) ¬ خطاما تميزوا بشعاره بين الأمم، وعفوا في تلك البلاد وكثروا، وتعددت قبائلهم) 1.هـ.
وكان دينهم المجوسية وتأخر إسلامهم إلى ما بعد فتح الأندلس إلى عهد المائة الثالثة حين ظهر فيهم الإسلام.
وكما سلف فإن الرئاسة في الملثمين كانت للمتونة.. وقد أفضت فيهم الرئاسة إلى يحيى بن إبراهيم الذي تبدأ معه قصة انطلاقة الدعوة فقد كان يحيى بن إبراهيم يتطلع إلى علوم الدين التي حرم هو وقومه منها في هذه البقاع الصحراوية.. وقد أراد الخروج للحج فاستخلف ابنه وخرج من بلاده عام 427هـ فلما عاد من الحج عام 428هـ نزل بالقيروان وكانت القيروان مركزاً ثقافياً كبيراً وقاعدة للمذهب المالكي في المغرب فاستمع إلى شيخ المذهب المالكي وأحد أعظم علماء المالكية وهو الفقيه أبو عمران الفاسي فأعجب به يحيى،وسأله أن يبعث معه إلى قبيلته من يثق فيه من طلبته لهدايتهم وتبصيرهم.. فاستجاب له أبو عمران الفاسي ووجه الدعوة إلى تلاميذه فاستصعبوا المهمة لبعد مواطن لمتونة ومشقة الحياة فيها.. وحينها كتب الفقيه أبو عمران إلى أحد الفقهاء من طلبته وهو وجاج (أو وكاك) ابن زللو اللمطي، وكان مقيماً برباط أقامه ببلدة (نفيس) من بلاد السوس, وما إن تلقى وجاج بن زللو اللمطي رسالة استاذه أبو عمران الفاسي التي يعهد إليه فيها أن يلتمس لهم من يثق بدينه ويروض نفسه على مسغبة أرضهم في معاشه، فما إن تلقى وجاج اللمطي الرسالة حتى انتدب لهذه المهمة طالباً صنهاجي الأصل من جزولة هو عبدالله بن ياسين الجزولي، الذي كان من أهل الفقه والتقوى، ولم يتردد عبد الله بن ياسين في قبول الدعوة إذ رآها من صميم هدفه ورسالته في تعلم الإسلام وتعليمه والدعوة إليه.
ومضى يحيى بن إبراهيم يصحبه عبد الله بن ياسين إلى مضارب لمتونة فاعجب به شيوخها واحتفلوا بقدومه وأقبلوا عليه للسماع وتعلم القرآن وإقامة الدين.. ولكن قبل أن نمضي في الرحلة مع عبد الله بن ياسين لنحاول معرفة كيف كانت حياته قبل انتقاله مع يحيى بن إبراهيم إلى مضارب لمتونه.
الحق أن المصادر التاريخية جميعاً لا تذكر الكثيرعن حياة عبد الله بن ياسين قبلها وليس هذا بمستغرب، فلم يكن قبلها إلا طالب علم مغمور في بقعة نائية من البلاد الإسلامية ولذلك لا نعرف سنة مولده ولا أية معلومات تاريخية عنه إلا أنه كان من طلبة العلم في دار أنشئت بالسوس وسميت (دار المرابطين) أنشأها وجاج بن زللو اللمطي تلميذ أبي عمران الفاسي ويبدو أن هذه الدار هيئت لتكون انطلاقة للدعاة يأتيها الطلاب من القبائل وغيرها ثم يعودون إلى قومهم معلمين.
ومما تذكر المصادر التاريخية عن عبدالله بن ياسين ما أفاد ابن السماك في حلله أن عبد الله بن ياسين لم يكن قد سمع من شيخه وجاج اللمطي علم القيروان والمغرب وحده بل تلقى العلم في الأندلس حيث قضى فيها 7 سنوات يتعلم العلم( )، ولذا فنضجه العلمي كان بعد تحصيل طويل للعلم في المغرب وعلوم الأندلس المزدهرة.
هذا كل ما تفيده المصادر التاريخية عن حياته قبل مسيره إلى لمتونه مع يحيى بن إبراهيم..
ولما سار إليهم عبد الله بن ياسين واقبلوا عليه للتعلم أرشدهم إلى الأصول الصحيحة للدين والفقه وعمد إلى تقويم أخلاقهم، وتطبيق حدود الشريعة وتغيير المنكر ومقاومة الشهوات.. وعندئذ نفر الناس من هذه الأحكام وبرموا بدعوته لما ألفوه من الإقبال على أعمال السلب والنهب والمنكرات، ومع تبرمهم فقد احتملوا دعوته هيبة لزعيمهم يحيى بن إبراهيم .
فلما توفى يحيى بن إبراهيم لم يستطع خليفته يحيى بن عمر أن يمنع صناجة من الاعتزال عن ابن ياسين وترك الأخذ عنه فعزم ابن ياسين على الرحيل.
توجه عبدالله بن ياسين إلى الجنوب ورافقه يحيى بن عمر اللمتوني وأخوه أبو بكر بن عمر ومعهم بضعة رجال من لمتونه. وقصد عبدالله بن ياسين ربوة تحيط بها المياه من جهاتها الأربع ضحضاحاً في الصيف وغمراً في الشتاء فتعود جزيرة منقطعة (كما يقول ابن خلدون).
ويرجح بعض المؤرخين أن هذه الجزيرة تقع في السنغال الأدنى يحيطها نهر السنغال.
وهناك انقطعوا للعبادة والتعليم وأسس عبدالله بن ياسين رباطاً، والرباط من المرابطة أي الملازمة وملازمة الثغور للجهاد.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ}
وقال تعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ}
ومن اشتقاق الرباط سمى عبدالله بن ياسين أتباعه بالمرابطين وسميت دولتهم بدولة المرابطين
(انظر :بناء الأربطة عبر التاريخ- المغرب الكبير صـ 694)
وبينما عبد الهء بن ياسين مع أتباعه في الجزيرة تسامع من في تلك الأنحاء بخبره فتسايل إليه من في قلبه خير، حتى بلغ من لديه قرابة الألف رجل تلقوا العلم عليه وآلوا على أنفسهم منذ انضمامهم إليه التفاني في سبيل النهي عن المنكرات والجهاد في سبيل الله.. فاستطاع عبد الله بن ياسين أن يحولهم من رعاة جمال إلى طبقة من المجاهدين الصادقين.
فلما كمل معه ألف من الرجال قال لهم شيخهم عبدالله بن ياسين :إن ألفاً لن تغلب من قلة، وقد تعين علينا القيام بالحق والدعاء إليه وحمل الكافة عليه فأخرجوا بنا لذلك، فخرجوا وقتلوا من استعصى عليهم من قبائل لمتونه وجدالة ومسوفة حتى أنابوا إلى الله واستقاموا على الطريقة، وأخذ الصدقات من الأغنياء للفقراء وأصلح أحوالهم وسماهم المرابطين.. وأخضع بهم صنهاجة كلها.
ثم تخطى بهم الرمال الصحراوية إلى بلاد درعة و سجلماسة وكان وجاج اللمطي وغيره من فقهاء سجلماسة وسوس قد كتبوا إليهم يخبرونهم بما نال المسلمين من العسف والجور من بني واندودين أمراء سجلماسة من مغراوة وحرضهم وجاج اللمطي على تغيير أمرهم فخرجوا من الصحراء سنة 445هـ في عدد ضخم واتجهوا إلى درعة فاصطدموا بجيش مسعود ابن وانودين صاحب سجلماسة ودرعة فانهزم هزيمة نكراء وقتل في المعركة ودخل المرابطون مدينة سجلماسة وأصلحوا من أحوالها وغيروا المنكرات واسقطوا المغارم والمكوس وبعثوا العمال على الصدقات… وبعد افتتاح درعة وسجلماسة ثارت قبائل زناتة الشمالية للقتال فحاربتها جيوش المرابطين .وفي بعض هذه المعارك قتل زعيم لمتونه وكبير قواد المرابطين يحيى بن عمر سنة 447هـ فولى الإمام عبدالله بن ياسين أخاه أبا بكر بن عمر اللمتوني قيادة الجنود واستطاع أبو بكر أن يفتح بعض المناطق ونشط في اخضاع قبائل الشمال بين عامي 448هـ و 449هـ.
وكان أبو بكر بن عمر قد نشط في الفتوحات في تلك البلدان الشمالية لأنها كما أسلفنا في الوضع الديني للمغرب قد انتشرت فيها البدع والديانات الوثنية والرافضة وغيرها، واستطاع المرابطون فتح أقليم السوس الذي كان يخضع للرافضة وافتتحوا قاعدة الأقليم تارودانت وقضوا على الرافضة فيها وذلك عام 448هـ.
ثم توغل المرابطون في الحوز واجتازوا الأطلس الغربي وفتحوا بلاد جدميوة وغيرها.. ثم اتجه المرابطون إلى الجنوب الشرقي ففتحوا مدينة أغمات سنة 449هـ وفر أميرها لقوط بن يوسف المغراوي إلى تادلة.
واتخذ عبدالله بن ياسين مدينة أغمات بعد فتحها عاصمة للمرابطين.
ثم أفتتح المرابطون بلاد المصامدة وهزموا بني يفرن سنة 450هـ واستولوا على تادلة وقتل في هذه المعارك يوسف المغراوي صاحب أغمات.
ثم غزا المرابطون بلاد برغواطة في الريف الغربي وكانت لها دولة على الشاطئ الأطلسي بين الدار البيضاء والصويرة فاستولى المرابطون عليها.
ويمكن تلخيص كل المعارك والفتوحات السالفة بما يلي، فهي اجمالاً:
1) فتح بلاد صنهاجة قبل سنة 444هـ.
2) فتح درعة وسجلماسة سنة 445هـ وكان أول خروجهم من الصحراء.
3) فتح أقليم السوس وقاعدته تارودانت سنة 448هـ.
4) فتح بلاد جدميوة وبلاد رجراجة وغيرها.
5) فتح أغمات سنة 449هـ، واتخاذها عاصمة للمرابطين.
6) فتح بلاد المصامدة والاستيلاء على تادلة سنة 450هـ.
7) فتح بلاد برغواطة على الشاطيء الأطلسي.
وفاة عبدالله بن ياسين:
قتل سنة 451هـ في أثناء معارك فتح برغواطة، قتله مجوس برغواطة فمات شهيداً إن شاء الله.
وقد دفن في موضع يسمى (كريفلة) في قبيلة (زغير)في مكان غير بعيد عن مدينة الرباط (الآن).
وقد ذكر ابن الخطيب أن ابن ياسين لما أصيب بجرح مميت وأحس بدنو أجله جمع أشياخ في صنهاجة وأوصاهم فقال: (يا معشر المرابطين أنا ميت في يومي هذا وأنتم في بلاد أعدائكم فاياكم أن تحنثوا وتفشلوا وتذهب ريحكم.. كونوا ألفة على الحق واخوانا في الله وإياكم والمخالفة والتحاسد على الدنيا وإني ذاهب عنكم فانظروا من ترضونه لأمركم يقود جيوشكم ويغزو أعداءكم ويقسم فيكم زكاتكم).
ولما توفي آلت الأمارة إلى أبي بكر بن عمر اللمتوني وكان أبو بكر بن عمر من قبل مجرد قائد للإمام.. وتولى أمر التعليم فقيه اسمه سليمان بن عدو .
وقد توفي عبدالله بن ياسين بعد أن أسس دولة المرابطين وأقام دعائمها، وافتتح أكثر بلاد المغرب من أقاصي الصحراء إلى قريب من البحر المتوسط.
قال عنه صاحب الأنيس المطرب – كما ينقل الرزكلي في الأعلام – (دوخ المغرب إلى أن صار يدين بتعاليم الإسلام بعد أن كاد يتقلص منه).
وقد أنشأ عبدالله بن ياسين دولة المرابطين التي عاشت بعده قروناً من الزمان وكانت دولة عظيمة قوية عقيدتها عقيدة السلف ومذهبها الفقهي مذهب الإمام مالك – وهو مذهب مبسط لا يعتمد على القياس كثيراً، ولذلك ناسب تلك القبائل فأخلصت له وتفهمته واعتمدت على مصادره من الكتاب والسنة.
وكانت دولة المرابطين دولة رجالها أشداء هم أبناء الصحراء لم يعرفوا الترف ولذلك قوي الإسلام بهم في المغرب والأندلس بعد أن اجتازوا إليه في عهد يوسف بن تاشفين الذي كان تلميذا لعبدالله بن ياسين وملازماً له وابن عم لأبي بكر بن عمر فتولى الأمر بعده وأتم فتح المغرب واجتاز إلى الأندلس فكانت موقعة الزلاقة الشهيرة سنة 479هـ.
صفات عبدالله بن ياسين:
كان الشيخ عبدالله بن ياسين ذا علم واسع وورع وشدة تمسك بالدين وغيرة عليه وتضحيه في سبيله، وكان قد جمع بين علم المغرب وعلم الأندلس إذ قضى 7 سنوات طالباً للعلم فيه، وكان فصيحاً بليغاً ولذلك اشتد تأثيره في قبائل لمتونه وفي أتباعه وتلاميذه وتظهر بلاغته في كلامه الذي يرويه المؤرخون على قلته، وقد كان حازماً في حكمه شديداً في تطبيقه يعاقب من يخطيء من أتباعه حتى أنه عاقب مرة زعيم لمتونه وصاحبه والقائد الأول يحيى بن عمر لأنه تهور في إحدى المرات في أثناء قيادته لفرط شجاعته فعاقبه الإمام عبدالله بن ياسين، وقد ظل يحيى بن عمر وفياً للدعوة شجاعاً في الحروب حتى توفي رحمه الله .
مقارنة إجمالية بين الشيخ عبدالله بن ياسين والشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمهما الله:
هناك أوجه تشابه بين حياتيهما ودعوتيهما فكلاهما ظهر بالدعوة إلى العقيدة السليمة، وأتى على حين فشو من الجهل والشرك والبدع وكلاهما حمل دعوة طيبة، وأسس دولة مباركة، والحق أن الدعوة التي تقيم دولة قلة على مدار التاريخ الإسلامي، ولكن هناك بعض الفوارق التي تظهر حال المقارنة بينهما.منها ما يلي - إجمالا-ً في هذا الجدول:
عبد الله بن ياسين محمد بن عبد الوهاب
1) الدعوة والدولة 1) الدعوة فقط
2) دعاه غيره إليها ثم قام بها وإن كان أعد نفسه للدعوة 2) قام بها
3) لم يحتج للتنقل بالدعوة بين القبائل 3) تنقل بالدعوة
4) الدولة التي أسست أكبر مساحة 4) الدولة أهم في قلب العالم الإسلامي وتضم الحرمين
5) آثار الدعوة كبيرة ولكنها ضيقة النطاق نسبياً 5) آثار الدعوة أكبر، وكانت انطلاقة لصحوة الأمة الشاملة
الخاتمة
إن المتأمل في حياة الشيخ عبد الله بن ياسين رحمه الله يجد الكثير من الفوائد والعبر المستخلصة فقد كان الشيخ عبد الله بن ياسين مثالاً للعالم الصادق الزاهد المؤسس فأجزل الله مثوبته، وأسكنه فسيح جناته.
المراجـــــع:
1- تاريخ المغرب الكبير جـ2 عبدالعزيز سالم.
2- تاريخ ابن خلدون جـ 6.
3- دول العالم الإسلامي في العصر العباسي د/ سيد الندوي د/ حامد غنيم
4- الأعلام للزركلي جـ4.
5- معركة الزلاقة شوقي أبو خليل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.