مؤلفات ماجد بن عبدالله الطريّف العلمية والأدبية

كتاب : أحكام وآثار استقدام العمالة الكافرة


                                                غلاف النسخة الإلكترونية الأولى

                               غلاف النسخة الإلكترونية الثانية


رابط كتاب :استقدام العمالة الكافرة .في جوجل درايف



استقدام العمالة الكافرة

                                   تأليف

         ماجد بن عبد الله الطريّف





المقدمـــة :
        إن  الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً.
       أمــا بعـــد :
فإن العلاقة بين المسلمين والكفار قائمة منذ وجد الإسلام والكفر، ولقد ازداد الكلام حول هذه العلاقة حتى أصبح حديث العصر وإن من أخص صور العلاقة استقدام العمالة الكافرة إلى بلاد المسلمين وقد فشا هذا الأمر حتى أصبح ظاهرة كبيرة .وإن العمالة المستقدمة ليست كما يظن البعض محصورة على الخدم والسائقين وما شابههم بل تتعداهم لتشمل الخبراء و المستشارين  والشركات الضخمة .
ولا شك أن هناك الكثير من الآثار السلبية للعمالة الكافرة ؛ولهذا فقد بسطت الحديث حول آثار الاستقدام لأنها عظيمة المدى والكثير يغفل عنها، ثم لأن مبنى الحكم عليها وقد تطرقت للحديث عن بعض الأحكام في التعامل مع الكفار لارتباطها بموضوع الاستقدام وقد حاولت إيجاز القول، فأوجز الكلام أبلغه وخير الكلام ما قل ودل ،وأسأل الله العون والتسديد.
المبحــث الأول : بعــض مـا جـاء فـي القـرآن الكريــم فــي النهــي عــن مــوالاة الكفــار
         لقد أنزل الله القرآن، داعياً للإيمان، وإن أوثق عرى الإيمان الولاء و البراء
 ( الحب في الله والبغض في الله )، ولهذا فقد تضافرت آيات القرآن على ترسيخ الولاء للمؤمنين و البراء من الكافرين ومن تلك الآيات قوله تعالى :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ } [ الممتحنة : 1 ].
        وقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ }                        [ المائدة : 51 ].
        وقوله سبحانه :{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ }
[ التوبة : 71 ].
        وقال تعالى :  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَ أَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } [ التوبة : 23 – 24 ].
        وقال تعالى :  {لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ...... } [ المجادلة : 22 ].
        وقال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } [ آل عمران : 118 ].
        وقال تعالى : {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ  * وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ } [ المائدة : 55 – 65 ].
 والآيات في هذا الشأن كثيرة، والكلام في تفسيرها  كثير،والأحاديث الواردة كثيرة،وصور الولاء والبراء التي ذكرها العلماء كثيرة ،وأحكام التعامل مع الكفار متعددة ، فهذا مبحث يستغرق بحوثاً وكتباً مطولة ، ولي كتاب مفصل في الولاء والبراء عنوانه:                توضيح الولاء والبراء.     يمكن الرجوع إليه لمن أراد المزيد.  
و يكفي بلاغة ودلالة على هذا المعنى العظيم هذه الآيات الكريمة.








-        المبحـــث الثاني : عبـــر مـــن التاريـــخ :
        إن المتأمل في تاريخ الدولة الإسلامية في مختلف عصورها يرى ما جره الاستقدام من أخطار وويلات، فمنذ الخلافة الراشدة وفي عهد عمر رضي الله عنه حين كثرت الفتوح وكثرت الأمم الوافدة من غير العرب والمسلمين ظهر الخطر، مع قوة عمر في الحق، وحرصه وتحذيره من كثرة  وجود العجم الكفار  في المدينة،         ولكن كان الخطر أكبر، فقتل عمر رضي الله عنه، وكسر الباب الذي هبت منه الفتن على الأمة الإسلامية .. وكان المنفذ هو أحد الفرس المستقدمين  وهو أبو لؤلوة المجوسي الذي كان يمسح على رؤوس أطفال بلده وهم في المدينة ويبكي ويقول: أكل العرب كبدي.
ولما طعن عمر رضي الله عنه سأل عمن طعنه فلما أخبره عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه الغلام المجوسي أبو لؤلوة
 فَقَالَ عُمَرُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْ مَنِيَّتِي بِيَدِ رَجُلٍ يَدَّعِي الإسلامَ , قَاتَلَهُ اللَّهُ , لَقَدْ أَمَرْتُ بِهِ مَعْرُوفًا .  ثُمَّ قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ : لَقَدْ كُنْتَ أَنْتَ وَأَبُوكَ تُحِبَّانِ أَنْ تَكْثُرَ الْعُلُوجُ بِالْمَدِينَةِ 
(مصنف ابن أبي شيبة كتاب المغازي باب ما جاء في خلافة عمر . رقم : 36361)
وفي عهد دولة بني أمية كان استقدام الجواري والغلمان سبباً في الترف الذي أسقط الدولة .
وفي عهد بني العباس استقدموا المماليك الأتراك وأكثر المعتصم منهم حتى قويت شوكتهم بسرعة حتى تمكنوا من قتل ابنه الخليفه المتوكل واستلموا السلطة الفعلية.
ومن الأحداث التاريخية الكبرى في عهد الدولة العباسية ما حدث في مدينة البصرة     منتصف القرن الثالث الهجري من 255هـ إلى 270هـ فقد حصل فيها ما عرف   بـ"ثورة الزنج"وهم العبيد الذين ثاروا على المالكين وأسسوا حكومة لهم كان مقرها مدينة المختارة (جنوب البصرة) ثم قضي على  حركتهم بعد سنوات طويلة، وذلك عندما جندت الدولة العباسية كل إمكاناتها وحاربتهم في معارك كبيرة كثيرة، فكانت أطول ثورات العصر العباسي وأخطرها.
 وفي عهد الدولة الأيوبية أكثر الأيوبيون من المماليك فما كان أسرع أن سقطت دولتهم وقامت دولة المماليك ..
والعجب أن المماليك في كل هذه الأحداث المتأخرة هم من المسلمين وكان لهم كل هذه الآثار الكبيرة، فكيف لو كانوا من الكافرين([1]) ؟ إن في ذلك لعبرة للمعتبرين.












المبحــــث الثالث : آثــار وأخطــار استقــدام الكــفار ..
-        المطلــــب الأول : الآثـــار علـــى العقيـــدة الإسلاميـــة ..
        إن استقدام العمالة الكافرة هو جلب أفواج من الكافرين الضالين وهم غالباً من الحاقدين، إلى أمة الإسلام وبثهم بين المسلمين .. ولذا فلا عجب أن يكون لهذا الاستقدام آثار خطيرة كبيرة وهذه الآثار متعددة المجالات، لكن أخطرها شأنا الآثار على العقيدة الإسلامية..
-        وأبرز  الآثار على العقيدة هي بإيجاز :
1-  اختلال العقيدة في نفوس أبناء المسلمين، وانحرافهم تأثراً بالعقائد والمذاهب المنحرفة، واصطباغهم بصبغتها، ومن تأمل حال الأمة الإسلامية علم يقيناً أن كثيراً من الفرق الضالة في تاريخ الأمة نشأت تأثراً بالأمم الأخرى للاتصال بها والانفتاح غير المنضبط على تلك الأمم وثقافاتها ولا شك أن لتلك الأفواج المستقدمة من العمالة الكافرة ذات الأثر على الأمة، وخاصة على الناشئة والأطفال الصغار، فهؤلاء اتصالهم بالعمالة كالخدم والسائقين ولاسيما المربيات أكثر، وتأثرهم أكبر، ولذلك فالخطر عليهم أظهر.
2-  التساهل مع الأديان والفرق المنحرفة، وربما تصحيحها أو التهوين من قدر ضلالها، أو استحسان بعض معتقداتها، أو التماس الأعذار لمعتنقيها وما شابه ذلك، وإنما رقق من جيشان القلوب و خفف من استشناع كفرهم وضلالهم كثرة اتصال هؤلاء العمالة الكافرة بنا، وتواجدهم بيننا .. وكما قيل( كثرة الإحساس تميت الإحساس).
 وإنك لو قلت لبعض المسلمين اليوم : هذا نصراني أو هندوسي، لم يجد في ذلك بأسا، ولم يرفع له رأسا، فكأنما قد قلت له : هذا شافعي أو حنفي .. وأما من مضى من آبائنا الذين لم يعرفوا هذه العمالة الكافرة لو قيل له : هذا نصراني، لتعوذ بالله من شره، ولكان غصة في حلقه وقذى في عينه، من فرط استشناعه لكفره، فكيف لو قيل : هذا هندوسي.
3-  تقويض عقيدة الولاء والبراء في الإسلام التي هي أوثق عرى الإيمان، وقيام الحب والبغض على غير أسس العقيدة، فترى من يوالى كافراً من هؤلاء العمالة وغيرهم إما لأجل الميل إليه أو للإعجاب به متجاهلاً لكفره، ومقدماً للعلاقات والمصالح الشخصية على أسس العقيدة، وهذا الأثر من أبرز الآثار وأخطرها.
4-  تقديم تسهيلات مخالفة للعقيدة بالسماح لغير المسلمين بإقامة المعابد والكنائس لهم في بلاد المسلمين أو بنشر دعوتهم وأفكارهم والتسامح معهم في ذلك بحكم إقامتهم بين المسلمين، ودعوى أنه من التعامل بالحسنى ورعاية حقوق الأقليات وقد انتشر هذا في كثير من بلاد المسلمين حتى في مهد الإسلام جزيرة العرب، وذلك لكثرة استقدام الكفرة.

-        المطلـــب الثانـــي : آثـــار وأخطـــار استقـــدام الكـــفار علـــى التشريـــع الإسلامـــي.
        إن التشريع في الإسلام من خصائص الله، قال تعالى : {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ .. } [ الشورى : 21 ].
        وإن مهمة الأمة الإسلامية هي تطبيق شرع الله على عباد الله، ولكن وجود فئات من الكفار بين المسلمين بحجة العمل، قد يؤثر على التشريع الإسلامي وذلك من عدة نواح، أبرزها :
1-  تجاهل التشريع الإسلامي وعدم تطبيقه بحجة وجود مجموعة من الأجانب الذين لا يمكن تطبيق الشرع الإسلامي عليهم لاسيما في الحدود والعقوبات لأنهم قد يرونه تخلفاً ووحشية ولذلك يلغى التشريع الإسلامي وتتجاهل حقوق الأكثرية أصحاب البلاد من المسلمين لأجل أقلية وافدة كافرة.
2-  تطبيق القوانين والأحكام الوضعية البشرية، لأنها يمكن تطبيقها على المسلمين والكافرين الوافدين ولقد ارتبط الأخذ بالقوانين الوضعية في تاريخ الأمة الإسلامية، بوفود واستقدام الكفار لاسيما الخبراء والشركات الكبرى .. ففي عهد السلطان العثماني سليمان القانوني بدأ نقل القوانين الوضعية إلى بلاد المسلمين وذلك في منتصف القرن العاشر الهجري، ولذلك لقب السلطان بالقانوني، ولئن كان اشتهر بهذا فقد اشتهر بأنه مانح الامتياز للشركات الأجنبية الأوربية([2])،
فهذا التساهل مع الكفار الوافدين والتميع في معاملتهم هو الذي أورث تحكيم القوانين الوضعية .
وفي مصر حين دخلت الشركات الانجليزية والإيطالية للبلاد، ظهر نتيجة لذلك المحاكم المختلطة للحكم بالقوانين الوضعية بين أولئك العمال والرعايا الأجانب بقوانين بلادهم، ثم أفضى ذلك إلى وجود المحاكم الأهلية التي تحكم بالقوانين الوضعية للجميع للمسلمين وغيرهم([3])،([4]).
3-  التشكيك بمصادر التشريع الإسلامي، فلم يكتف بتنحيتها عن التشريع والتحكيم في أمور الحياة، بل بلغ الأمر إلى التشكيك فيها ذاتها مجاراة لكثير من الكفار الوافدين لاسيما الخبراء والعلماء منهم، من المستشرقين وغيرهم، فمن منكر لثبوت القرآن إلى مثير للشبهات حوله، إلى منكر للسنة والتحاكم إليها وغير ذلك.


-        المطلـــب الثالـــث : آثــار وأخطــار استقــدام الكفــار علــى الفكــر والثقافــة :
        إن العمالة الكافرة المستقدمة ليست آلات تدار في مصنع .. ولكنها أفكار وثقافات حية تنتقل وتتغلغل في المجتمع الإسلامي .. ولها الكثير من الآثار الفكرية والثقافية السلبية .. ومنها :
1-  نشر هؤلاء المستقدمين لثقافاتهم وآرائهم الفكرية بين المسلمين إما بشكل دعوة مباشرة أو بشكل غير مباشر ... وينتج عن ذلك تأثر المسملين بتلك الثقافات الوافدة، وصهر الثقافة الإسلامية بالثقافة الأجنبية وصبغها بها .. مع الافتخار والاعتزاز بالثقافة الأجنبية والتشكيك بالثقافة الإسلامية.
2-  إضعاف اللغة العربية ( لغة القرآن ) سواءً على سبيل التحدث أو الكتابة وذلك بنشر اللغات الأجنبية والدعوة إلى تعلمها ولم يقتصر الأمر على اللغة الإنجليزية وحسب بل تعداه حتى إلى الهندية والفلبينية وغيرها، كما ينتشر أيضاً الحديث بعربية مكسرة      لا هي بالفصحى العربية ولا بالدارجة العامية ولا حتى باللغة الأجنبية ولكنها عربية مشوهة مما تتلفظ به ألسنة الأعاجم الوافدين الذين لم يتعلموا العربية .
وإن اللغة أبرز مظاهر الفكر والثقافة وهي الوعاء الذي ينقلها، وتوهينها توهين لهما.
3-  تقديم تسهيلات ثقافية وفكرية غير جائزة شرعاً للكفار الوافدين وذلك كإنشاء مدارس وجامعات تعلم مذاهبهم المنحرفة، وإتاحة وسائل الإعلام المختلفة لنشر اتجاهاتهم وأفكارهم، وغير ذلك من التسهيلات الثقافية التي تقدم لهم في بلاد المسلمين وعلى حساب المسلمين.
4-  التضييق الفكري على المسلمين فيما يتعلق بهؤلاء الوافدين الكافرين وهذا على نقيض ما سبق من التسهيلات المقدمة لهم .. حتى قويت شوكتهم وخافهم الناس حتى العلماء حتى أصبحوا لا يستطيعون الجهر بالحق فيما يتعلق بالكافرين الوافدين .. وقد ألفت كتب عديدة في التحذير من هؤلاء وأمثالهم، وخرجت دون ذكر أسماء مؤلفيها ولا شك أن هذا للخوف من سطوتهم، ومن تلك الكتب.
1-    النهي عن الاستعانة والاستنصار في أمور المسلمين بأهل الذمة والكفار.
2-    منهاج الصواب في قبح استكتاب أهل الكتاب.
3-  القول المختار في المنع عن تخيير الكفار([5])

5-  التشبه بالكفار واتباعهم في جميع أحوالهم، وحتى في عاداتهم وثيابهم وغير ذلك، وهذا قد نتج من الضعف النفسي عند المسلمين والإعجاب والانبهار ببعض هؤلاء الكفار الوافدين .. وكما يقال : (الضعيف المغلوب مولع بتقليد القوي الغالب) .


-        المطلــــب الرابــــع : آثـار وأخطـار استقـدام الكفـار علـى الأخـلاق الإسلاميـة :
 للعمالة الكافرة آثار كبيرة على الأخلاق. تبرز في عدة جهات منها :
1-  نشرهم للأخلاق السيئة التي يتحلون بها كالكذب والغش وعدم الحياء ونحو ذلك، ولا شك أن كثرة معاشرتهم للمسلمين ومقامهم بينهم يفضي إلى عدوى المسلمين بهم.

2-  إشاعة الفاحشة بين المسلمين، وذلك يكون من عدة طرق :
أ‌)      وقوع المسلمين في الفاحشة مع نسائهم، ِإما لتزينهن لذلك لشهوة أنفسهن أو لدفع أعداء الله لهن وأمرهن بذلك لإفساد المسلمين، أو لسهولة الاتصال بهن لكونهن خادمات في البيوت ونحو ذلك.
ب‌)هتكهم لأعراض المسلمين، وتعديهم على حرماتهم.
ت‌)محاربة فضيلة المرأة وحشمتها، ونشر التبرج والاختلاط، ومعاداة الحجاب، والدعوة إلى عمل المرأة ومساواتها بالرجل، وغيرها من الدعوات الهدامة، وكل ذلك لإشاعة الفاحشة بين المسلمين.
ث‌)نشر العهر والتهتك بين المسلمين بنشر الأفلام الماجنة والقصص الخليعة وإنشاء أماكن للعهر والخلاعة أن أمكنهم ذلك .. وغير هذا.
3-  نشر المعاصي والعادات السيئة في المجتمع الإسلامي كالتدخين وكالقزع في حلق الشعر مثلا، ولا شك أن التدخين كان لا يفعله في المسلمين إلا قلة يتسترون قديماً وأما الآن فقد عم وطم بسبب كثرة المدخنين من هؤلاء المستقدمين وغيرهم، ومثل هذا الكثير من المعاصي المعتادة.

4-  الإقرار بالمنكرات، والتهوين من شأن انتشارها في المجتمع، بسبب كثرتها لدى الكافرين الوافدين، وإلفها منهم، وصعوبة الإنكار عليهم ولا شك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلق فاضل، وأن المسلم مأمور به قال تعالى : {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ .. } [ آل عمران : 110 ]. ولكن كثرة هذه المنكرات لدى الكافرين الوافدين وعدم التزامهم بالإسلام يصعب من مهمة الإنكار عليهم، ولذلك يتخاذل الكثير إما إقراراً بالمنكر أو تهويناً منه([6]).


-        المطلــــب الخامــــس : آثــار وأخطــار استقــدام الكفــار علــى السياســة :
        إن سياسة الدول تتأثر بالأفراد والشعوب الذين يعيشون في ظلها، ولذلك فإن لاستقدام العمالة الكافرة الكثير من الآثار على سياسة الدول الإسلامية في الأحوال الداخلية والخارجية ومن أظهرها :
1-              الانفتاح على دول الكفر وإقامة علاقات مداهنة، وتعطيل الجهاد، فإنه لا يمكن قتال قوم أبناؤهم بيننا، وارتبطت مصالحنا معهم وأين هذا من تقسيم المسلمين للأرض دار إسلام و دار حرب
2-              التجسس ... فهذه العمالة الكافرة أجسام غريبة في الأمة يمكن أن تستغلهم دولهم في التجسس على الأمة الإسلامية وبكل سهولة([7]).
3-              التدخل الأجنبي في أحوال وسياسة الدول الإسلامية بحجة حماية ورعاية مصالح مواطنيها .. بل قد تزج بهم دولهم لأجل هذا الغرض وتدفع الشركات الكبرى لتكون ذريعة لتدخلها، وهذا ما حدث في مصر خلال القرنين الماضيين حين دخلتها الشركات الأجنبية الإنجليزية والإيطالية، ثم تطور الأمر إلى تدخلات كثيرة في الشئون الداخلية عسكرية وإدارية([8]).
4-              الدعم المعنوي للكفار وشعورهم بسلامة موقفهم لاسيما من يحارب ويضيق على المسلمين في بلدانهم من تلك الدول .. فهم يقولون: لو كنا على الباطل ما أيدتنا الدول الإسلامية وتعاملوا معنا.
 ويحتجون بهذا على المسلمين هناك فيضعفهم عن حقهم ويكون فتنة لهم.
5-              مراعاة الدول الإسلامية فيما ترسمه من سياسات وجود هؤلاء الكفار الوافدين بينهم لاسيما إن كانوا يتولون مناصب حساسة .. ولذلك تتجنب في قراراتها ما يغضبهم أو يثير شغبهم ولو كان ذلك على حساب الدين والمسلمين في الحقوق والواجبات.
6-              مساواة هؤلاء الكفار الوافدين للمسلمين في بلدانهم وإعلان الدولة الإسلامية ذلك وافتخارها به، مع أن ذلك غير صحيح لأن للمسلمين حقوقاً ليست لغيرهم كالولايات العامة مثلاً وعليهم واجبات ليست على غيرهم كالزكاة مثلا...

-        المطـــلب الســـادس : آثــار وأخطــار استقــدام الكفــار علــى الاقتصــاد والمــال :
من أبرز الآثار الاقتصادية للعمالة الكافرة واستقدامها ما يلي :
1-              دعم اقتصادي ومالي كبير لهؤلاء الكفار الوافدين ودولهم وإيجاد فرص عمل كثيرة للعاطلين منهم وتوفير الأموال بالعملات الصعبة لهم وفي هذا تقوية لاقتصادهم، ودعم لهم، بينما نحن أمرنا بجهادهم والإغلاظ عليهم قال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ... } [ التحريم : 9 ].
2-              إهدار لثروات المسلمين ودفعها فيما لا ينفعهم، فلو أن هذه الأموال صرفت في بناء المجتمع الإسلامي لعادت بالخير العميم، أو لو صرفت في استقدام عمالة مسلمة لعادت بالخير على بلدانها المسلمة، لاسيما البلدان الفقيرة المحتاجة منها، فكيف لا تعد إهداراً وهي تدفع في تقوية أعدائنا وشراء السلاح الذي يقاتلوننا به ويقتلون به أخواننا من الأقليات المسلمة في بلادهم، وكثيراً ما تعالت صيحات أخواننا هناك في الهند والفلبين وغيرها تدعو لنجدتهم ودعمهم، أو على الأقل عدم دعم أعدائهم بإمدادهم بالأموال.
3-              إيجاد البطالة بين المسلمين إما بسبب شيوع الترف بين الشباب لوجود هؤلاء العمالة الذين يقومون بالعمل عنهم، أو بسبب منافستهم لهم وشغلهم لفرص العمل.
4-              التأثر بأنظمتهم الاقتصادية، وآرائهم ونظرياتهم المالية .. وجلبها معهم وتطبيقها في المجتمع الإسلامي كالربا والاشتراكية والرأسمالية وغيرها.
5-              تساهل كثير من المسلمين في التعامل التجاري مع هؤلاء الوافدين حتى كأنه يعامل مسلمين أو أكثر تساهلاً، فلم يعد الأمر مجرد أجرة للعمل بل تعداه إلى تعامل تجاري مفتوح .. ومثل هذا عائد على الأمة بأضرار مضاعفة.
6-              ربط اقتصاد الدول الإسلامية بالدول الكافرة فإذا ارتفعت أجرة عمالتهم ارتفعت الأسعار والسلع وما تبع ذلك، ويصبح اقتصاد المسلمين تحت حكمهم ورحمتهم.
7-              التمكين لهؤلاء الكفار الوافدين إلى حد منح الشركات والمؤسسات الكافرة حق الامتياز في إنتاج عمل صناعي أو زراعي أو غيرها، أو حق الاحتكار في توريد سلعة معينة أو تصديرها وتسويقها، وفي هذا تمكين لهم للتحكم الشديد والتسلط على المسلمين واقتصادهم.

-        المطـــلب السابـــع : آثـار وأخطـار استقـدام الكافـر علـى التربيـة والأسـرة والمجتمـع.
        إن تغلغل العمالة الكافرة بين المسلمين يهدم بنيان الأسرة ويحطم كيان المجتمع ويفسد تربية النشء المسلم، فبينما كانت أسر المسلمين في الماضي متماسكة والمجتمع مترابط يتعاونان في تربية ناشئة صالحة ... إذ بنا نرى بفعل تغلغل العمالة الكافرة بيننا نرى البنيان قد تهدم والأواصر قد تفككت، ويمكن التركيز على أخطر هذه الآثار ومنها :
1-              خلخلة المجتمع وإيجاد طبقة دخيلة فيه تفكك روابطه وتقطع أواصره، ولذلك يقل التواصل بين أبناء المجتمع، وتتضاءل المشاريع الجماعية.
2-              نشر الرذيلة والمنكرات، كتصنيع الخمور وترويج المخدرات، وغيرها من المفسدات.
3-              نشوء علاقات اجتماعية بين المسلمين والكفار الوافدين إلى حد تساهل الكثير من المسلمين وإقبالهم على الزواج من الكافرات من غير تحفظ ولا تفكير في عواقب الأمور، بل بلغ الأمر إلى الزواج من المشركات والملحدات، بل إلى حد تزويج المسلمة للكافر حتى أصبح ذلك -والعياذ بالله- لا يكاد ينكر في بعض البلاد الإسلامية([9]).
4-              إشاعة الترف والخمول بين المسلمين بسبب وجود من يقوم عنهم بكثير من الأعمال بسبب كثرة العمالة الوافدة وفي هذا إضعاف لأبناء الأمة وإشاعة للوهن فيهم والاتكالية على أعداء الإسلام حتى أنه لا يمكنهم القيام بشأن أنفسهم، وقد يلجأ الكفار الوافدون إلى تشجيع هذا لأجل إضعاف المسلمين ودوام احتياجهم لهم.
5-              التأثير على الأسرة ببعض الآثار الخاصة .. وإن الأسرة تتأثر بجميع آثار الاستقدام عموماً ولكن هناك بعض الآثار الأسرية الخاصة ومنها : نشر بعض أسرار الأسرة مما قد يثير كثيراً من المشاكل الاجتماعية ومنها إفساد العلاقات الزوجية بإثارة المشاكل والدسائس والمؤامرات، ولا شك أن في تحطيم الأسرة تحطيماً للأمة ومنها :حرمان الجيل الجديد من التعلم من مدرسة البيت، لأن أعمال البيت تقوم بها العمالة الوافدة ولذلك فلا فرصة في التعلم من الوالدين، ومن الآثار: انصراف الأسرة عن الأعمال الأسرية وهذا ما يؤدي إلى إيجاد فراغ كبير، وللفراغ آثار خطيرة، وكذلك إنشغال أكثرهم بما لا يفيد بل بما يضر مما تضيع به الأوقات وتصرف فيه الأعمار من وسائل الإعلام وغيرها.
6-              غرس قيم ذميمة وإبعاد العادات والتقاليد الأصلية التي تؤدي إلى التعاون والتآزر بين المسلمين وظهور الأنانية وحب الذات وكذلك انتشار نظرات دخيلة على الأمة الإسلامية ... ومثال ذلك احتقار العمل اليدوي مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ما أكل أحد، طعاماً قط خير من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده )([10])،
ولكن حين تنتشر العمالة ويرتبط العمل اليدوي عند المسلمين بالخدم والمأجورين يجعلهم هذا يترفعون عن العمل اليدوي ويعتبرونه عمل الطبقة المتدنية وهذا ما يفسر الإقبال المتزايد عند الطلاب الخليجيين على كلية إدارة الأعمال أو العلوم السياسية والنفور من كلية الزراعة والمعاهد الصناعية([11]).

7-              التأثير على الناشئة الصغار من أبناء المسلمين .. والصغار سريعو التأثر وتأثرهم عميق وهم مستقبل الأمة .. ولذلك فإن الآثار والأخطار الكائنة في استقدام العمالة الكافرة هي مضاعفة الخطر في شِأن الصغار ومتحققة الحدوث في جميع جوانبها لشدة تأثر الصغار بهؤلاء الكفار الوافدين لاسيما الخادمات والمربيات منهم، إلا أنه يمكن إبراز آثار خاصة بالناشئة منها اتجاه بعض الأطفال إلى العنف نتيجة شعورهم بالحيرة بين ما تعلمه من الخادمة ونحوها وبين ما تعلمه عن الأم والأسرة ومنها إيجاد عقدة الخوف لدى الصغار لما يلقونه من معاملة سيئة من الخادمة وما شابهها وتنفيسها لحقدها في غياب الأبوين، مما يولد لدى الصغار عقداً نفسية ويشعرهم بعدم القدرة على التعبير عما في نفوسهم فينشأون ضعفاء مترددين، ومنها على النقيض التدليل الزائد للطفل رغبة في كسب مودته وزيادة تعلقه بها وتعليمه ما تريد([12]).







-        المطلـــب الثامـــن : آثــار وأخطــار استقــدام الكفــار علــى المصالــح العامــة :
        إذا أمكن فيما مضى تحديد الكثير من المجالات التي يظهر فيها آثار استقدام العمالة الكافرة، فإن للأمة الإسلامية مصالح كثيرة متشعبة غير ما تقدم يظهر فيها أضرار استقدام العمالة الكافرة ويصل إليها آثاره ويمكن تحديد أكبر هذه الآثار فيما يلي :

1-              توليتهم للمناصب العامة كالكتابة والإدارة العامة والقيادة ونحو ذلك : وقد نتج عن توليهم عسفهم وظلمهم للمسلمين واستغلالهم لمراكزهم للتسلط على المسلمين وهذا تاريخ المسلمين في شتى العهود ناطق مخبر عن تسلط أهل الذمة وعسفهم للمسلمين حين مكنوا من ذلك وحازوا الولايات([13])، والحق أن هذا لا يستغرب منهم، فهذا هو اللائق بهم وأمثالهم، فهم عدو جائر، ملك الحكم على خصمه، وكما قال الشاعر : ولناهيك بخصم يحتكم ...
ولكن هذا يستغرب ممن مكنهم من رقاب المسلمين يحكمون فيها بما شاؤا، مع قوله تعالى : {كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً ..... } [ التوبة : 8 ].

2-              إيقاعهم للفتنة بين المسلمين، ومحاولتهم للتحريش بينهم، لإضعاف المسلمين وتوليهم لقيادتهم والسيادة فيهم، على طريقة فرق تسد.

3-              إيجاد الثورات العامة ومحاولة التمرد على الحكم الإسلامي إذا وجدوا الفرصة وإن في تاريخ أهل الذمة في بلاد المسلمين عبرة، فقد قاموا بالكثير من الفتن والقلاقل وفي عهد السلطان قلاوون أشعلوا حريقاً هائلاً في القاهرة كاد يحرقها برمتها، وتغاضى السلطان عنهم فأشعلوا حرائق عديدة أخرى .. حتى عظم المصاب على الناس([14]).
4-              الخطر على الأمن والإيذاء والاعتداء على المسلمين .. وهذا لا يخص كافليهم ومن يتعلق به استقدامهم، فهم أول من يتضرر بهم .. ولكن هذا الضرر يتسع ليشمل عموم المسلمين ... وهذا الخطر الأمني والاعتداء يظهر في صور وأساليب عديدة منها السرقات، والسحر، والأذى البدني بالضرب وغيره وصولاً إلى القتل، وتشكيل العصابات، وتزييف العملات، وقطع الطرق .. وغيرها .. وقد يكون المستقدم من محترفي الإجرام في بلده فيأتي إلى بلاد الإسلام ليكمل إجرامه، وقد تكون دولته هي دفعت به للتخلص منه بما قد يعود عليها بالنفع، وقد يكون مدفوعاً من عصابة إجرامية لمزاولة أعمالها الإجرامية في بلاد المسلمين ..
وقد يتشجع المستقدم على الجريمة مع أنه ليس من أهل الإجرام في سالف عهده إذا رأى تفريط المسلمين وتساهلهم وثقتهم المفرطة مع عدم وجود الوازع الديني والخلقي لديه فيقع في الجريمة وأياً كان الحال فإنه لو لم يكن لاستقدام العمالة الكافرة إلا هذا الخطر الأمني لكفى به أثراً سلبياً كبيراً([15])،












-        المبحـــث الرابع : حكم خدمة المسلم للكفار و حكم استخــدام الكفــار:
        إن استخدام الكفار وخدمة المسلم للكفار من أهم المسائل التي تعرض في التعامل معهم، وهي مسألة مقترنة بالاستقدام تمام الاقتران، ولذلك يجب أن نعرف الحكم فيها ..
والحق أنهما مسألتان مختلفتان،
الأولى :هي مسألة خدمة المسلم للكفار بمعنى كون المسلم لهم خادماً أو مستأجراً في عمل ما ... وفي هذه المسألة تفصيل، يقول الإمام ابن القيم – رحمه الله – في كتاب أحكام أهل الذمة : وأما إيجارهم نفسه فهي مسألة تفصيل، ونحن نذكر نصوص أحمد – ثم قال : وتلخيص مذهبه – أي مذهب أحمد – رحمه الله – أن إجارة المسلم نفسه للذمي ثلاثة أنواع : أحدها :إجارة على عمل في الذمة،كخياطة ثوب ونحوها فهذه جائزة.
والثانية: إجارة للخدمة فهذه فيها روايتان منصوصتان عنه أصحهما المنع منها،
 والثالثة: إجارة عينه منهم لغير الخدمة فهذه جائزة وقد أجر علي رضي الله عنه نفسه من يهودي يستقي له كل  دلو بتمرة.
(أخرجه الترمذي وحسنه حديث رقم 2473)
        هذا كله إذا كان الإيجار لعمل لا يتضمن تعظيم دينهم وشعائره، فإن كانت الإجارة على عمل يتضمن ذلك لم يجز، كما نص عليه أحمد في رواية إسحاق ابن إبراهيم، وقد سأله رجل بناء : أبني ناقوساً للمجوس ؟ فقال : لا تبن لهم .
وقال الشافعي في كتاب الجزية من كتابه الأم : وأكره للمسلم أن يعمل بناء أو نجارة أو غير ذلك في كنائسهم التي لصلاتهم. وقال أبو الحسن الآمدي : لا يجوز أن يؤجر نفسه لعمل ناقوس ونحوه، رواية واحدة([16])، .. أ.هـ
 وهذا التفصيل الذي ذكره ابن القيم نقلاً عن الإمام أحمد هو التفصيل المختار، والقول الراجح في المسألة.

وأما المسألة الثانية فهي استخدام الكفار بمعنى كونهم للمسلمين خدماً أو مستأجرين في عمل ما، وفي هذه المسألة أحوال :
أولاً : استخدامهم في الولايات والمناصب العامة ونحوها .. وهذا لا يجوز فمن المتفق عليه بين الأمة أن الكافر لا ولاية له على المسلم فلا يجوز له أن يتولى الأعمال التي تشعر الإنسان بأن الكافر له ولاية أو سلطة عليه فقد اتفق العلماء على أن الكافر لا يتولى الإمامة الكبرى ولا القضاء. و قال ابن المنذِر: "أجمع كلُّ مَن يُحفَظ عنه مِن أهل العلم أنَّ الكافر لا ولاية له على المسلم بِحال"  ([17]).
 وهذا الحكم متفرع من قاعدة (الإسلام يعلو ولا يعلى عليه) وقوله تعالى : {.. وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ... } [ المنافقون : 8 ]، وقوله تعالى : {... وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } [ آل عمران : 139 ].
ثانياً : استخدامهم في الخدمة والمهن الوضيعة كالتنظيف والحفر ونحو ذلك فهذا جائز لأنه لا يشعرهم باستعلاء على المسلمين ولا يشعر المسلمين بالضعف أمامهم.

ثالثا : استخدامهم في غير ما سبق من المهن التي قد لا يحسنها المسلمون فهذا جائز بشرط أن لا يشعرهم ذلك بالاستعلاء على المسلمين ..
فمدار الحكم هو أن العزة للمسلمين والذلة للكافرين ..
ودليل الجواز في هذا استئجار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه في حديث الهجرة رجلاً من بني الديل دليلا للطريق مع أنه كان على كفره وهذا الرجل هو عبد الله بن أريقط([18])،

 وينبغي للأمة تعلم جميع المهن حتى لا تدوم حاجتها إلى الكفار فيشعرهم هذا العزة علينا وأما استئجارهم في ما هو من شعائر الدين كبناء المساجد والقيام عليها ونحو ذلك فهذا حرام، لقوله تعالى:{مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ ... } [ التوبة : 17 ].
المبـــحث الخامس : حكم الإستعانـــة بالكفـــار :
 مسألة الاستعانة بالكفار مسألة كثر الحديث عنها وهي مسألة متنازعة الأطراف ولكن أوجز القول فيها :
1-  الأصل أنه لا يجوز الإستعانة بمشرك .. وهناك اتفاق بين الفقهاء على عدم جواز الاستعانة بالكافر على المسلم غير الظالم .. فأما أنه لا يجوز الاستعانة بالمشرك عموماً فلقوله صلى الله عليه وسلم لرجل من المشركين أراد أن يغزو معه : أرجع فلن أستعين بمشرك([19])، وأما في الاستعانة به على المسلم، فلأن هذا من التولي وقد قال تعالى : {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ ... } [ آل عمران : 28 ].
2-  أما الإستعانة بالمشرك على المسلم الباغي أو الظالم وكذلك الاستعانة بالمشرك على المشرك ففيها خلاف بين أهل العلم .. ولكن الراجح الذي تجتمع عليه أقوال أكثر أهل العلم أنه لا يجوز الاستعانة بالمشرك سواء على الباغي أو على المشرك، إلا ضمن شروط معينة هي :
1-  أن تكون حاجة أو قلة بالمسلمين فيكون لها حكم الضرورة والضرورات تبيح المحظورات.
2-  أن يكون من يستعان بهم ممن يوثق بهم فتؤمن خيانتهم ولا تخشى ثائرتهم.
3-  أن يكون الحكم والأمر للمسلمين والمشركون تحت قيادتهم لا أمر لهم.
وينبغي أن يعلم أنه لم يقل أحد من أهل العلم بجواز الاستعانة مطلقاً من غير شروط ولو في حال الضرورة([20]).
وختاماً إن الاستعانة لها تعلق وثيق بالاستقدام وهي أخطر صوره لأنها استقدام مع الاستنصار والاعتماد ولذا عظم خطرها .
والكلام حول الاستعانة متشعب طويل وللمزيد حول هذا الموضوع يمكن مراجعة كتب الولاء والبراء ومنها كتاب لي عنوانه "توضيح الولاء والبراء" ففيه تفصيل طويل في مسائل الولاء والبراء و التعامل مع الكفار.
المبـــحث السادس :تفصيل حكم استقدام العمالة الكافرة :
إذا كان الاستقدام لجزيرة العرب وكان الاستقدام لغير حاجة المسلمين التي لابد منها فقد ورد في ذلك أحاديث وصدرت الفتاوى بتحريم الاستقدام
فمن الأحاديث الواردة:عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم  لأخرجنَّ اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً (أخرجه مسلم حديث رقم 1767)
وعن أبي عبيدة بن الجرَّاح رضي الله عنه قال : آخرُ ما تكلَّم به النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ( أخرجوا يهودَ أهل الحجاز ، وأهل نجران من جزيرة العرب ، واعلموا أن شرار الناس الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) رواه أحمد (3/221) وصححه ابن عبد البر في "التمهيد"(1/169) ، ومحققو المسند.

وأما الفتاوى الصادرة بالتحريم  فمن ذلك:
فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء رقم: 16249 جزء14صفحة387 وفيها ما يلي:
 استقدام الكفار إلى الجزيرة العربية أمر محرم؛ لما فيه من الإضرار بالمسلمين، وتعريض المجتمع إلى أخطار كثيرة من هؤلاء المستقدمين.
وعمل مكاتب لاستقدامهم لا يجوز  والكسب الذي يحصل من ذلك كسب محرم، فعلى من يعمل في ذلك التوبة إلى الله، وترك هذا العمل والاتجاه إلى عمل خير منه،{ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } .ا0هـ
 
والمراد بجزيرة العرب في هذه الأحاديث : الجزيرة العربية كلها ، التي يحيط بها البحر الأحمر والخليج العربي والمحيط الهندي ، وتنتهي شمالا إلى أطراف الشام والعراق قال شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله:
يجب أن يعلم أنه لا يجوز استقدام الكفرة إلى هذه الجزيرة ، لا من النصارى ،ولا من غير النصارى ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج الكفرة من هذه الجزيرة ، وأوصى عند موته صلى الله عليه وسلم بإخراجهم من هذه الجزيرة ، وهي المملكة العربية السعودية واليمن ودول الخليج ، كل هذه الدول داخلة في الجزيرة العربية ، فالواجب ألا يقر فيها الكفرة من اليهود ، والنصارى ، والبوذيين ، والشيوعيين ، والوثنيين ، وجميع من يحكم الإسلام بأنه كافر لا يجوز بقاؤه ولا إقراره في هذه الجزيرة ولا استقدامه إليها إلا عند الضرورة القصوى التي يراها ولي الأمر ، كالضرورة لأمر عارض ثم يرجع إلى بلده ممن تدعو الضرورة إلى مجيئه أو الحاجة الشديدة إلى هذه المملكة وشبهها كاليمن ودول الخليج .
أما استقدامهم ليقيموا بها فلا يجوز بل يجب أن يكتفى بالمسلمين في كل مكان ، وأن تكون المادة التي تصرف لهؤلاء الكفار تصرف للمسلمين ، وأن ينتقي من المسلمين من يعرف بالاستقامة والقوة على القيام بالأعمال حسب الطاقة والإمكان ، وأن يختار أيضا من المسلمين من هم أبعد عن البدع والمعاصي الظاهرة ، وأن لا يستخدم إلا من هو طيب ينفع البلاد ولا يضرها ، هذا هو الواجب ، لكن من ابتلي باستقدام أحد من هؤلاء الكفرة كالنصارى وغيرهم فإن عليه أن يبادر بالتخلص منهم وردهم إلى بلادهم بأسرع وقت .انتهى .
فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 6/454

وفي كتاب فتاوى ومقالات متنوعة الجزء الخامس قال شيخنا عبد العزيز رحمه الله:لا يجوز استقدام العمال من الكفرة إلى هذه الجزيرة العربية، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى بإخراج الكفار منها، وقال لا يجتمع فيها دينان، وقد نفذ ذلك عمر رضي الله عنه. وقد نبهنا على هذا غير مرة في برنامج نور على الدرب، وفيما نكتب في الصحف ولولاة الأمور وفقهم الله لكل خير.. لأن هذه الجزيرة لا يجوز أن يقيم فيها المشركون لما ذكرنا آنفا، ولا يجوز السماح لهم بدخولها إلا لحاجة كباعة الحاجات، التي تستورد من بلاد الكفرة إلى هذه الجزيرة، وكالبرد الذين يقدمون من بلاد الكفرة لمقابلة ولي الأمر في هذه الجزيرة، أما أن تكون محل إقامة لهم فلا يجوز ذلك.
وهكذا لا يجوز منحهم الجنسية.. أعني جنسية سكانها لأن ذلك وسيلة إلى الإقامة بها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى بإخراج الكفار من هذه الجزيرة كما تقدم، ويجب أن يمنع من كان منهم فيها من إظهار شعائر دينهم.
أما استقدامهم ليكونوا عمالا أو موظفين فيها، وما أشبه ذلك فلا يجوز ذلك، بل يجب الحذر منهم.. وأن يستغنى عنهم بالعمال المسلمين، ويكتفي بهم في العمل بدلا من الكفار، إلا عند الضرورة القصوى التي يراها ولي الأمر لاستقدام بعضهم لأمور لابد منها، ولا يوجد من يقوم بها من المسلمين، أو صنعة لا يجيدها المسلمون، والحاجة ماسة إليها.. أو نحو ذلك، ثم بعد انتهاء الحاجة منهم يردون إلى بلادهم، كما أقر النبي صلى الله عليه وسلم اليهود في خيبر للحاجة ثم أجلاهم عمر رضي الله عنه، لما زالت الحاجة إليهم.
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة الجزء الخامس

وسئل شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله
 يقول السائل: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لا يجتمع في جزيرة العرب دينان ) لكننا نجد في معظم بلدان الجزيرة العربية وجودا كثيفا للعمالة غير الإسلامية وصل بها الأمر إلى حد بناء دور عبادة لها سواء النصارى أم الهندوس أم السِّيخ . ما الموقف الواجب على حكومات هذه البلدان اتخاذه حيال هذه الظاهرة المؤلمة ذات الخطر الداهم؟
فأجاب شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله:
 
لقد صح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : (لا يجتمع في الجزيرة دينان) وصح عنه أيضا أنه أمر بإخراج اليهود والنصارى من الجزيرة ، وأمر أن لا يبقى فيها إلا مسلم ، وأوصى عند موته صلى الله عليه وسلم بإخراج المشركين من الجزيرة ، فهذا أمر ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس فيه شك .
والواجب على الحكام أن ينفذوا هذه الوصية ، كما نفذها خليفة المسلمين عمر رضي الله عنه بإخراج اليهود من خيبر وإجلائهم ، فعلى الحكام في السعودية وفي الخليج وفي جميع أجزاء الجزيرة ، عليهم جميعا أن يجتهدوا كثيرا في إخراج النصارى والبوذيين والوثنيين والهندوس وغيرهم من الكفرة ، وألا يستقدموا إلا المسلمين .
هذا هو الواجب ، وهو مبين بيانا جليا في قواعد الشرع الحنيف . فالمقصود والواجب إخراج الكفار من الجزيرة ، وأن لا يستعمل فيها إلا المسلمون من بلاد الله ، ثم إن عليهم أيضا أن يختاروا من المسلمين ، فالمسلمون فيهم من هو مسلم بالادعاء لا بالحقيقة ، وعنده من الشر ما عنده ، فيجب على من يحتاج إلى مسلمين ليستأجرهم أن يسأل أهل المعرفة حتى لا يستقدم إلا المسلمين الطيبين المعروفين بالمحافظة على الصلاة والاستقامة .
أما الكفار فلا يستخدمهم أبدا إلا عند الضرورة الشرعية ، أي : التي يقدرها ولاة الأمر ، وفق شرع الإسلام وحده
ولا يجوز أن يبنى في الجزيرة معابد للكفرة لا النصارى ولا غيرهم ، وما بني فيها يجب أن يهدم مع القدرة .
وعلى ولي الأمر أن يهدمها ويزيلها ولا يبقي في الجزيرة مبادئ أو معاقل للشرك ولا كنائس ولا معابد ، بل يجب أن تزال من الجزيرة ، حتى لا يبقى فيها إلا المساجد والمسلمون" انتهى
فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز3/282

وسئل شيخنا محمد بن صالح العثيمين رحمه الله عن حكم استقدام غير المسلمين إلى الجزيرة العربية؟
فأجاب :
"
استقدام غير المسلمين إلى الجزيرة العربية أخشى أن يكون من المشاقة لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، حيث صح عنه كما في صحيح البخاري أنه قال في مرض موته: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب) وفي صحيح مسلم أنه قال: (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً). لكن إذا كان استقدامهم للحاجة إليهم بحيث لا نجد مسلماً يقوم بتلك الحاجة جائز بشرط أن لا يمنحوا إقامة مطلقة.
وحيث قلنا : جائز ، فإنه إن ترتب على استقدامهم مفاسد دينية في العقيدة أو الأخلاق صار حراماً، لأن الجائز إذا ترتب عليه مفسدة صار محرماً تحريم الوسائل كما هو معلوم. ومن المفاسد المترتبة على ذلك : ما يخشى من محبتهم ، والرضا بما هم عليه من الكفر، وذهاب الغيرة الدينية بمخالطتهم. وفي المسلمين ـ ولله الحمد ـ خير وكفاية، نسأل الله الهداية والتوفيق" انتهى .
"
مجموع فتاوى ابن عثيمين" 3/41

وأما إذا كان الاستقدام لغير جزيرة العرب:
 فالأولى الاكتفاء بالمسلمين نظرا للآثار السيئة  التي قد تحصل باستقدام الكفار  وقد فصلنا في تلك الآثار السيئة سابقا  ولذلك فالمطلوب الحذر و الاكتفاء بالمسلمين وعدم استقدام الكفار ويكفي في بيان ضررهم أنه  يحصل منهم خطر على العقيدة وخطر على الناشئة من المسلمين .
وفي جواب لشيخنا محمد العثيمين رحمه الله لسؤال عن حكم استقدام الأيدي العاملة


من الكفار يقول رحمه الله عن هذا الاستقدام:
ولو لم يكن من خطره ومضرته إلا أن المستقدم لهم يألفهم ويركن إليهم ، وربما يقع في قلبه محبة لهم وتودد إليهم ، وقد قال الله تعالى { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه } وربما يشتبه عليه الحق بالباطل ، فيظن أنهم إخوة لنا ، يطلق عليهم إخوة ، ويدعي بما يوحي به الشيطان أنهم إخوة لنا في الإنسانية ، وهذا ليس بصحيح ، فإن الأخوة الإيمانية هي الأخوة الحقيقية ، ومع اختلاف الدين لا أخوة ، حتى أن الله عز وجل لما قال نوح { رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين }
قال { إنه ليس من أهلك } وقد قطع النبي صلى الله عليه وسلم الصلة بين المؤمنين والكافرين حتى في الميراث بعد الموت ، فقال " لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم " . وإذا كان الأمر هكذا فإن الاحتكاك بغير المسلمين واستقدامهم ومشاركتهم في الأعمال ، وفي الأكل والشرب ، والذهاب والمجيء ، كل هذا ربما يميت الغيرة في قلوب المسلمين حتى يألفوا من قال الله تعالى فيهم { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق}
(فتاوى إسلامية جمع :محمد عبد العزيز المسند 1/145)




-        المبحــث الســابع : حجــم ظاهــرة الاستقــدام وواقعهــا :
 من المؤسف تفشي ظاهرة استقدام الكفار بين المسلمين، ولا توجد في الحقيقة إحصائيات دقيقة ولكن من الواضح بالنظر للواقع ومن معرفة الدراسات الإحصائية التي أجريت حالياً رغم جزئيتها وعدم دقتها إلا أنه يمكن التعرف على ضخامة الظاهرة وكثرة الأعداد الوافدة .
 ويلاحظ في الدراسات الإحصائية التركيز على  المربيات والخدم والسائقين  لأنها الأكثر انتشاراً والأخطر تأثيرا..
وكانت أهم النتائج في دراسة المربيات :
1-              ( 60 – 75 % ) منهن غير مسلمات، ( 97.5 % ) يمارسن شعائرهن الدينية.
2-              ( 68 % ) من المربيات تقل أعمارهن عن العشرين، وليس لهن دراية بالتربية.
3-              ( 8% ) فقط لهن إلمام باللغة العربية، واللغة الانجليزية هي الأكثر شيوعاً.
4-              ( 14 % ) منهن يستقبلن أصدقاءهن الرجال في البيوت التي يعملن بها، و (8.7 % ) يزرنهم في بيوتهم.
 وفي إحصائية قديمة نشرت في الصحف ورد فيها: أن عدد المربيات في الخليج مليون ونصف مليون مربية أطفال، ونسبة كبيرة منهن يعملن لدى أسر بها زوجات لا يعملن بالخارج، وأن نسبة الجنسية الأولى هي الهندية ( 43 % ). ودلت دراسة أخرى على أن نسبة ( 58 % ) منهن يحبذن ممارسة الجنس قبل الزواج، و ( 51 % ) يشرحن عن حياة الأطفال في مجتمعاتهن لأطفال البيوت التي يعملون فيها([21]).


وأكدت إحصائية أخرى أن المربيات والخادمات التي يفدن إلى السعودية ومنطقة الخليج معظمهن من دول جنوب شرق آسيا، وأن ( 45 % ) منهن مسلمات
( 45 % ) نصرانيات و ( 10 % ) ديانات غير الإسلام.
 وأما أعمارهن فتتراوح بين ( 25 – 35 ) عاماً  و ( 10 % ) منهن تزيد أعمارهن عن 45 سنة ومعظمهن شابات متزوجات ولكنهن يأتين بدون أزواجهن، ونسبتهن 60 %،
أما غير المتزوجات فنسبتهن ( 28 % ) والأرامل ( 6 % )
وتؤكد الإحصائية أن ( 76 % ) منهن أميات
و( 93 % ) لا يتحدثن العربية.
 وفي إحصائية عن السائقين في مدينة الرياض على عينة منهم عشوائية عددهم ( 190 ) سائقاً تبين أن نسبة السائقين بدون أسرهم ( 84 % ) وعدد الشباب منهم
( 78 % ) والمدخنين منهم ( 25 % )، وعدد النساء اللاتي يركبن مع السائق وحدهن ( 50 % ) والذين يدخلون على النساء في المنزل ( 22 % )([22]).













الخاتمــــــــــــــــة :
        في الختام يمكن استخلاص أهم النتائج  والتركيز على أبرز الحقائق الواردة وهي :
1-              الولاء للمؤمنين و البراء من الكافرين، وهذا من أسس الدين، وللموالاة صور متعددة.

2-              لاستقدام العمالة الكافرة العشرات من الآثار الخطيرة في شتى المجالات. والناظرفي التاريخ يجد العبرات  الكبيرة والحوادث الأليمة من استقدامهم

3-              خدمة المسلم للكافر واستخدام الكافر فيها أحوال وفي حكمها تفصيل، ومدار الحكم هو كون العزة للمسلمين وعدم كونه في شعائر الدين.

4-              الاستعانة بالكفار على الكفار أو المسلمين البغاة لا تجوز على الراجح إلا بشرط حاجة المسلمين وكون القيادة لهم وأمن الخيانة من الكافرين.

5-              يجوز للمسلمين الانتفاع بما عند الكافرين، ويجب إذا كان للمسلمين حاجة إليه.

6-                 لا يجوز استقدام الكفار لجزيرة العرب إلا لحاجة ماسة  لا يقوم بها غيرهم وأما استقدام الكفار لبلاد المسلمين خارج جزيرة العرب لغير حاجة فالأولى عدمه لما له من الآثار السيئة في مجتمع المسلمين .

7-              الناظر في واقع مجتمع المسلمين الحالي يجد الكثير من المخالفات في الاستقدام ولهذا يجب على الجميع الحذر وتقديم النصيحة والدعوة إلى الله

                                                                                والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.


المراجـــع الخاصـــة بالبحـــث :
1-              أحكام أهل الذمة لابن القيم تحقيق د / صبحي الصالح.

2-              أحكام الكافر في الشريعة الإسلامية تأليف د / جبر محمود الفضيلات ط / دار عمار.

3-              مجموعة رسائل وفتاوى نصيحة المسلمين بشأن الخدم والسائقين لعبد الله القصير ومجموعة من المؤلفين ط / دار طيبة.

4-              التساهل مع غير المسلمين، مظاهره وآثاره. لعبد الله بن إبراهيم الطريقي. ط / دار الوطن.

5-              الولاء والبراء في الإسلام. تأليف محمد بن سعيد القحطاني ط / دار طيبة.

6-              الخادمات وأثرهن على الأسرة والمجتمع. تأليف الدكتورمحمد بن عبد الرحمن الخميس ط / دار الوطن.

7-              خطر المربيات غير المسلمات على الطفل المسلم. تأليف / خالد بن أحمد الشنتوت ط / دار المجتمع.

8-              التنبيه إلى أضرار ومخاطر الخادمات والسائقين. لعبد الحميد السحيباني ط / دار ابن خزيمة.

9-              تذكرة المرأة المسلمة بشأن استخدام الخادمة. لعبد السلام الرحيلي ط / دار الصميعي.


المحتويات
الموضوع
الصفحة
المقدمة :
2
1- ما جاء في القرآن الكريم من النهي عن موالاة الكفار

3
2-عبر من التاريخ

5
3- آثار وأخطار استقدام الكفار.
7
المطلب الأول : الآثار على العقيدة الإسلامية
7
المطلب الثاني : الآثار  على التشريع الإسلامي :
8
المطلب الثالث : الآثار على الفكر والثقافة :
9
المطلب الرابع : الآثار على الأخلاق الإسلامية :
10
المطلب الخامس : الآثار على السياسة :
12
المطلب السادس : الآثار على المال والاقتصاد :
13
المطلب السابع : الآثار على التربية والأسرة والمجتمع
14
المطلب الثامن : الآثار على المصالح العامة :

16
4- حكم خدمة المسلم للكافر واستخدام الكفار  :

18
5 - حكم الاستعانة بالكفار :

20
6- تفصيل حكم استقدام العمالة الكافرة:

21
7- حجم ظاهرة الاستقدام وواقعها :

26
الخاتمة :
28
مراجع البحث الخاصة :
29
المحتويات :
30





([1]) للمزيد من التفاصيل حول هذه الأحداث راجع كتب التاريخ وبالذات البداية والنهاية لابن كثير.
([2]) انظر التساهل مع غير المسلمين / عبد الله الطريقي صـ 17 – 18 وانظر تاريخ الدولة العلية صـ108.
([3]) انظر نصحية للمسلمين بشأن الخدم والسائقين / عبد الله القصير صـ28، فما بعدها.
([4]) أهم القوانين الوضعية الحالية هو : القانون الجنائي : وهو الخاص بالعقوبات والقانون المدني الخاص بالمعاملات والأحوال الشخصية والقانون الدولي الخاص : وهو ما ينظم شئون الأجانب والجنسيات والقانون الدولي العام : وهو ما ينظم علاقات الدول ببعضها. انظر التساهل مع غير المسلمين صـ42.
([5]) انظر : التساهل مع غير المسلمين صـ50
([6]) من أخطر الوسائل التي توصلوا بها لمحاربة الأخلاق تمكينهم من وسائل الإعلام إما بتوليهم مناصب قيادية كخبراء إعلاميين ونحو ذلك .. أو بجلب ما تنتجه دولهم مراعاة لهم ونشره في وسائل الإعلام.
([7]) أبرز مثال لهذا ما فعله المستشرقون فقد قدم كثير منهم بحجة السياحة والطب وغرضهم الحقيقي هو التجسس ونقل المعلومات.
([8]) انظر نصيحة المسلمين بشأن الخدم والسائقين /عبد الله القصير صـ28، وصـ29.
([9]) انظر : التساهل مع غير المسلمين صـ26.
([10]) أخرجه البخاري ( 4 / 259 ) في كتاب البيوع، باب كسب الرجل وعمله بيده.
([11]) انظر :خطر المربيات غير المسلمات على الطفل المسلم/ خالد الشنتوت صـ61، وما بعدها.
([12]) انظر : الخادمات وأثرهن على الأسرة والمجتمع / محمد الخميس صـ77 فما بعدها.
([13]) للمزيد انظر أحكام أهل الذمة صـ214 فما بعدها.
([14]) للمزيد انظر البداية والنهاية لابن كثير 14 / 99.
([15]) ينبغي التنويه في ختام ذكر هذه الآثار إلى أن الكثير من الآثار السابقة اقتبست من عدد من المراجع أهمها كتاب :التساهل مع غير المسلمين لعبد الله الطريقي ولم يمكن التنويه في كل حالة عند عرضها لأنها اقتبست بتصرف وتطويع للأفكار كبير لأن المذكور في الكتاب آثار للتساهل مع غير المسلمين عموماً والاستقدام ليس إلا صورة من هذه الصور ولذلك طوعت الأفكار لمناسبة الحال، ومن المراجع المقتبس منها      كتاب: نصيحة المسلمين بشأن الخدم والسائقين لعبد الله القصير ومن المراجع المقتبس منها كتاب: خطر المربيات غير المسلمات على الطفل المسلم. تأليف / خالد بن أحمد الشنتوت. ومنها كتاب:التنبيه إلى أضرار ومخاطر الخادمات والسائقين. لعبد الحميد السحيباني.وغيرها من الكتب تجد بسطها في المراجع.
([16]) أحكام أهل الذمة لابن القيم صـ275، فما بعدها.
([17])انظر أحكام أهل الذمة لابن القيم 2/787  وانظر أحكام الكافر في الشريعة الإسلامية لجبر الفضيلات صـ80.
([18]) أخرجه البخاري في كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم باب هجرة النبي وأصحابه إلى المدينة.
([19]) أخرجه مسلم في كتاب السير، باب الاستعانة بالمشركين في الغزو.
([20])  لتفصيل المسألة انظر :المغني لابن قدامة 13/154 و فتاوى ومقالات للشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله 6/186        وأحكام الكافر في الشريعة لجبر الفضيلات صـ82 إلى صـ93.
([21])خطر المربيات غير المسلمات على الطفل المسلم. لخالد بن أحمد الشنتوت ص 16 و ص26
([22]) انظر الخادمات وأثرهن على الأسرة والمجتمع لمحمد الخميس صـ27، فما بعدها من دراسة أعدها المؤلف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.