غلاف النسخة الإلكترونية الأولى
غلاف النسخة الإلكترونية الثانية
كتاب:تملك الثروات الطبيعية البرية في الفقه والنظام
رسالة ماجستيرفي السياسة الشرعية 1420هـ
المقدمة :
إن الحمد لله نحمده ، و نستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ] (آل عمران : 102) .
[ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ] ( النساء : 1 ) .
[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا(70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ] ( الأحزاب : 70 و 71 ) .
أما بعد :
فإن الثروات الطبيعية شأنها كبير في الحياة الإنسانية ، ولا سيما الثروات الطبيعية البرية .
ولا يخفى أن الثروات الطبيعية من أكبر الموارد المعيشية ولا سيما في هذا العصر الذي قذفت فيه الأرض بخيراتها واستخرج الإنسان فيه كثيراً من ذخائرها .
فهذه الثروات الطبيعية الكبيرة من له حق تملكها ؟
هل هي مشاعة من سبق إلى شيء منها فهو أحق به ، أم لولى الأمر إقطاعها لمن يرى فيها المصلحة ، أم يحتفظ بها ملكاً عاماً للدولة تتمول منه للإنفاق على المصالح العامة ولا سيما في هذا العصر الذي تزايدت فيه مسؤوليات الدول .
إن هذا الموضوع ـ فيما أرى ـ من الموضوعات الكبيرة في السياسة الشرعية وهو أمر كبير في النظام المالي والموارد المالية .
والبحث فيه وثيق الصلة بقضية العصر المالية وهي كون الإسلام طريقاً سوياً بين السياسات الدولية المالية ، فالإسلام وسط بين الشيوعية والرأسمالية . فالشيوعية تلغي الملكية الخاصة والرأسمالية تطلقها ولا تقيدها إلا بشرطين عدم الأضرار بالآخرين وعدم مخالفة القانون .
ثم إن البحث في تملك الثروات الطبيعية له تعلق وثيق بقضية معاصرة كبيرة وهي قضية التخصيص والتعميم أو الخصخصة والتأميم … فإن الثروات الطبيعية من أول ما يتعلق به التخصيص والتعميم .
والكلام في هذا البحث مقتصر على تملك الثروات الطبيعية البرية، دون غيرها من أصناف الثروات الطبيعية التي يمكن إفراد أحكام تملك كل صنف منها ببحث مستقل مطول .
وإن كان الكلام على الثروات الطبيعية البرية يمكن الاستفادة منه في غيرها من الثروات الطبيعية لاشتراكها في كثير من الأحكام .
والثروات الطبيعية البرية أو الموارد التي سخرها الله لنا في البر أنواع مختلفة فمنها النباتات الطبيعية ، والنباتات هي من أسس الحياة البشرية ، والإنسان منذ بدء الخليقة يعتمد على النباتات الطبيعية ولم يزل يستفيد منها فائدة عظمى .
وقد وردت الآيات ، والأحاديث النبوية حول النباتات الطبيعية . وقد تحدث الفقهاء عن أحكام النباتات بحديث مطول .
ومن أنواع الثروات الطبيعية البرية المعادن . ولا تخفى المكانة الكبرى للمعادن وأثرها في الحياة الإنسانية وقد عرفت العرب قديما المعادن من ظاهرة وباطنة وكانت المناجم المختلفة منتشرة في جزيرة العرب [1]
-------------
. [1] - انظر للمزيد المعادن القديمة في بلاد العرب / حمد الجاسر .
والمعادن في البلاد العربية القديمة / موريتس تعريب أمين رويحة .
والحياة الاقتصادية والاجتماعية في عصر النبوة / أكرم ضياء العمري ص 53 ـ55
وقد ورد عدد من الآيات ، والأحاديث النبوية ، والآثار عن الخلفاء الراشدين حول المعادن ، ومن ثم أطال الفقهاء الحديث حول المعادن .
ولأجل هذا فإن الحديث عن هذه الثروات الطبيعية البرية حديث عميق واسع الأنحاء .
فهذا الموضوع فيه تأصيل فقهي ، وتفصيل نظامي ، وهو موضوع كبير في إدارة الدولة ، وله علاقة عامة بالسياسة الدولية المالية.
وهو موضوع قريب إلى المجتمع وحاجات الناس ولهذا فهذا الموضوع جامع للمزايا التي تدعو إلى البحث فيه . وهو موضوع تمس الحاجة إليه ، وليس هناك ـ فيما أعلم ـ دراسة مستقلة فقهية ونظامية لهذا الموضوع .
ولو ذهبت أتتبع الأسئلة التي ترد في أذهان العامة والخاصة عند الحديث عن هذا الموضوع لوجدت أسئلة كثيرة لا تحصى ، منها أسئلة تتعلق بالتأصيل الفقهي ، ومنها أسئلة تتعلق بالتفصيل النظامي ، ومنها ما يتعلق بالجمع بينهما . ولا أطيل التمثيل للأسئلة التي قد ترد إلى الأذهان في هذا الموضوع .
وحسبي الإجابة في هذا البحث على أبرز هذه الأسئلة واسأل الله التسديد .
ونهدف في هذا الموضوع إلى أن نصل إلى معرفة الأحكام الفقهية المتعلقة بهذه الثروات الطبيعية الكبيرة ومعرفة التأصيلات الشرعية لها.
ثم معرفة الواقع النظامي ورد أحكامه التنظيمية إلى أصوله التشريعية وبيان سعة الفقه الإسلامي .
وصولاً إلى بيان شمول الإسلام وحكمة تشريعاته ومناسبته للأحوال المختلفة والعصور المتغيرة ومراعاته لمصالح الفرد والجماعة .
وخطة هذا البحث تتكون من مقدمة وتمهيد وثلاثة فصول وخاتمة . وهي على النحو التالي :
ـ المقدمة
ـ التمهيد :
التعريف بالثروات الطبيعية وأنواع الثروات الطبيعية البرية وأن الأصل فيها الإباحة . وفيه مبحثان :
المبحث الأول : التعريف بالثروات الطبيعية والتعريف بالثروات الطبيعية البرية وأنواعها . وفيه ثلاثة مطالب :
ـ المطلب الأول : التعريف بالثروات الطبيعية والتعريف بالثروات الطبيعية البرية .
ـ المطلب الثاني : التعريف بالثروة المعدنية وفيه فروع :
الفرع الأول : المقصود بالثروة المعدنية .
الفرع الثاني : أقسام المعادن عند الفقهاء .
الفرع الثالث : أصناف المعادن على أساس الاستغلال .
ـ المطلب الثالث : التعريف بالثروة النباتية الطبيعية .
المبحث الثاني : الأصل في الأشياء الإباحة .
* الفصل الأول : التعريف بصور التملك الواردة على الثروات الطبيعية.
وفيه خمسة مباحث .
المبحث الأول : حيازة المباح .
المبحث الثاني : الإقطاع .
المبحث الثالث : الحمى .
المبحث الرابع : الملك العام للدولة .
المبحث الخامس : مقارنة عامة بين صور التملك .
* الفصل الثاني :
تملك الثروة المعدنية في الفقه والنظام .
وفيه ثلاث مباحث :
المبحث الأول : تملك الثروة المعدنية في الفقه .
المبحث الثاني : تملك الثروة المعدنية في النظام .
المبحث الثالث : مقارنة بين تملك الثروة المعدنية في الفقه وتملكها في النظام .
* الفصل الثالث :
تملك الثروة النباتية الطبيعية في الفقه والنظام .
وفيه ثلاث مباحث :
المبحث الأول : تملك الثروة النباتية الطبيعية في الفقه .
المبحث الثاني : تملك الثروة النباتية الطبيعية في النظام .
المبحث الثالث : مقارنة بين تملك الثروة النباتية الطبيعية في الفقه وتملكها في النظام .
ـ الخاتمة
· منهج البحث
و أما منهج البحث فقد عرفت في التمهيد بالثروات الطبيعية وأنواعها مختصا الثروات الطبيعية البرية بتعريف أشمل ثم عرفت بتعريف أكثر تفصيلاً بالمعادن وأنواعها في الفقه وأصنافها على أساس الاستغلال …
والمقصود بها في الفقه والنظام وغير ذلك …
ثم عرفت بالنباتات الطبيعية في الفقه والنظام ثم تطرقت لقاعدة الأصل في الأشياء الإباحة وهي قاعدة وثيقة الصلة بموضوع البحث . وقد بينت أدلتها وسلطة ولي الأمر في تقييد المباح .
ثم عرفت في الفصل الأول بصور التملك الواردة على الثروات الطبيعية. ثم تطرقت في الفصل الثاني والثالث للمسائل التفصيلية في تملك المعادن والنباتات وقد أوردت المسائل الفقهية في مبحث مستقل ، ثم أوردت التفاصيل النظامية في مبحث مستقل ، ثم قارنت في ابرز المسائل بين الفقه والنظام وذلك في مبحث مستقل .
وقد وثقت النقول الفقهية ما أمكنني من كتب المذاهب ، ووثقت التفاصيل النظامية من الأنظمة الحكومية والكتب النظامية .
ورجعت إلى كتب اللغة في المباحث اللغوية .
وخرجت الأحاديث الواردة في البحث ما أمكنني وشرحت الألفاظ الغامضة إذا وجدت حاجة لذلك .
وترجمت ما أمكنني للأعلام ممن ورد في البحث مستثنياً من الصحابة العشرة المبشرين بالجنة ومن الفقهاء الأئمة الأربعة لشهرتهم .
وقد جعلت في الهامش تخريج الأحاديث وشرح الألفاظ وتراجم الأعلام وبعض التوضيحات الجانبية والإحالات .
وقد أحلت إلى المراجع مباشرة حين يكون النقل بالنص .
وأما حين يكون الكلام بالمعنى فإنني اسبق الإحالة بكلمة انظر .
وحين يكون للكلام استطرادات وزيادات لا أجد حاجة لإثباتها ، وهي مما له علاقة بوجه ما في الموضوع ، في هذه الحالة أثبت كلمة (للمزيد) ثم أورد المراجع .
وقد اجتهدت في جمع المراجع ، وحاولت تقصي المسائل متتبعاً لها في الكتب متأملاً لأحكامها .
وحاولت أن أجعل المتن خلاصة للكتابات المتعددة في الموضوع .
ولعل القارئ لأول نظرة حين يقرأ البحث لا ينتبه لمقدار الجهد المبذول فيه ، وذلك لأن البحث صيغ بطريقة قريبة وفيه الخلاصة في كل مبحث ، ولكن لو تتبع المراجع ونظر في المواضيع المختلفة لتبين مقدار الجهد في هذا البحث ؛ فقد كنت أقرأ المراجع المتعددة وأجمع بينها ثم أصوغ خلاصتها بعبارة مناسبة مختصرة ثم أحيل إلى المراجع بعبارة ( انظر ) وكم خلف (انظر )هذه من جهد في الجمع والصياغة .
وقد اجتهدت ما أمكن في التوثيق ، وفي الصياغة المناسبة . فكأنني في التوثيق أحقق مخطوطة ، وكأنني في الصياغة أصوغ قصيدة ،والله المستعان واسأله القبول .
ولست أزعم مع هذا أني استوفيت مسائل البحث فذلك فضل لا أدعيه .
بل حتى إني لا أقول إني أوردت في هذا البحث كل ما أعلم في هذا الموضوع .
ولكنني أوردت خلاصة الموضوع حسب ما تيسر لي مراعياً للأحوال .
هذا ما أردت قوله . ولابد في هذا المقام من شكر الله سبحانه وتعالى وحمده على ما يسر وهدى . متضرعاً إلى الله سبحانه وهو خالق الناس و معلمهم أن يتقبل هذا العمل بقبول حسن إنه هو السميع العليم وهو الغفور الرحيم . ثم أني أود أن أقدم الشكر إلى المشرف على هذا البحث الشيخ د . سعود البشر على رحابة صدره وملاحظاته العلمية .
وأقدم التقدير إلى المعهد العالي للقضاء خاصة ، وإلى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عامة ؛ لما تقدمه للعلم والمنتسبين إليه .
وختاماً ما أشبه البحث في مسائل العلم بنمو النبات ، ولابد للنبات من وقت لينمو ويثمر ولهذا استغرق هذا البحث وقتاً حتى نمت شجرته وتفرعت أغصانه ، وما يملك من يغرس شجرة إلا أن يسقي الشجرة وينتظر ، فإن تأخر نمو الشجرة أو أبطات الثمرة فذلك من قدر الله ، والله بالغ أمره . وقد جعل الله لكل شيء قدرا . وما أشبه مسائل العلم بالغمرات كلما انجلت غمرة أتت غمرة ، فإن ظفرت من الغمرة بالدرة ، فما أحسن الثمرة . ولهذا أقول :
أروم تمام الأمر في كل وجهة
ولله ربي قد وكلت تمامها
أغوص بحار العلم أطلب درها
وأجهد فيها كي أصوغ نظامها
وأحمد ربي في ابتداء ومنتهى
وأسال ربي أن يزين ختامها
والحمد لله رب العالمين